أحدهما : من طريق حكمة الباري وقبح توجّه الخطاب من جانب الحكيم إلى العاجز.
وثانيهما : من طريق الآيات والرّوايات الدالّة على أنّ الله تعالى لا يكلّف نفساً بغير المقدور ، وبالجملة إنّ القدرة قيد للتكليف الفعلي في جميع الموارد عقلاً وشرعاً.
ولكن بعض الأعاظم فصّل بين الموارد وقسّمها إلى قسمين : قسم تعتبر القدرة فيه بحكم العقل فيدخل في بحث الترتّب ، وقسم تعتبر القدرة فيه بحكم الشرع فلا يدخل في بحث الترتّب.
الأمر الثالث : كان البحث إلى هنا في الترتّب بين الواجبين ، ولكن هل يمكن الترتّب في اجزاء واجب واحد إذا كان أحد الأجزاء أهمّ من الجزء الآخر ، أم لا؟ فإذا كان المكلّف قادراً بإتيان أحد الجزئين كالركوع والسجود ، وكان أحدهما أهمّ من الآخر فلو ترك الأهمّ وأتى بالمهمّ فهل يقع الواجب صحيحاً من باب الأمر الترتّبي أو لا؟ فقد حكي عن جماعة من المحقّقين القول بكونه داخلاً في باب الترتّب مع أنّ الإنصاف عدم جريانه في اجزاء الواجب ، لأنّ أجزاء الواجب تدريجية الوجود فهو مأمور بالقيام مثلاً في هذا الآن وليس مأموراً بالجلوس ، فإذا جلس بطلت الصّلاة.
وبعبارة اخرى : إذا كانت الأجزاء تدريجية الوجود كانت باعثية الأمر إليها أيضاً تدريجية ، فالمكلّف في هذا الآن مبعوث إلى الجزء المتقدّم وليس مبعوثاً إلى الجزء المتأخّر حتّى كان حفظ القدرة لإتيانه واجباً عليه ولو كان أهمّ من الجزء المتقدّم.
الأمر الرابع : ما مرّ بناءً على جواز الترتّب من أنّ وجوب المهمّ مشروط بعصيان الأهمّ هل هو على نحو الشرط المتقدّم أو المقارن أو المتأخّر؟
لا إشكال في عدم كونه على نحو الشرط المتقدّم ، لأنّ معناه أنّ عصيان الأهمّ في الزمان الخاصّ به شرط الإتيان بالمهمّ في الزمان الخاصّ به ، أي « إن عصيت الأمر بالأهمّ ومضى زمانه إئت بالمهمّ » ، ومن الواضح أنّه حينئذ خارج عن محلّ البحث لأنّ محلّ البحث في الترتّب إنّما هو الأمر بالضدّين في زمان واحد على نحو ترتّب أحدهما على الآخر رتبة ، بينما هنا يكون الأمر بالضدّين في زمانين مختلفين ، وأمّا الشرط المقارن فلا بأس به ، لأنّ معناه أنّ الأمر بالمهمّ مقارن زماناً مع عصيان الأهمّ وأنّ يتوجه إلى المكلّف في نفس لحظة عصيان الأهمّ ، وكذلك الشرط المتأخّر لأنّه معناه توجه الأمر بالمهمّ إلى المكلّف حينما قصد عصيان الأهمّ.