مشخّصاً لوجود عرض آخر ، وكذلك وجود جوهر بالإضافة إلى وجود جوهر آخر ، أو وجود عرض بالنسبة إلى جوهره الذي يقوم به ، بل العرض إنّما يكون ملازماً لجوهره في الخارج ولا ينفكّ عنه ، لا أن يكون مشخّصاً له بل تشخّصه بذاته ، وبناءً على ذلك : فإنّ الامور المتلازمة للوجود الجوهري خارجاً التي لا تنفكّ عنه كأعراضه من الكمّ والكيف وغيرهما لا يعقل أن تكون مشخّصات لذلك الوجود ، فإطلاق المشخّصات على تلك الأعراض مسامحة جدّاً ، وعليه فليست هذه الأعراض واللوازم متعلّقة للأمر سواء قلنا بتعلّق الأمر بالطبائع أو بالأفراد.
وبعبارة اخرى : إنّ تلك اللوازم كما أنّها خارجة عن متعلّق الأمر على القول بتعلّقه بالطبيعة ، كذلك هي خارجة عن متعلّقه على القول بتعلّقه بالفرد » (١).
قلنا : الإنصاف أنّه لا سبيل لهذه التدقيقات الفلسفية في محلّ البحث ، فإنّا نقبل أنّ الوجود متشخّص بذاته لا بعوارضه ، لكن الكلام في أنّ هذه العوارض بملاحظة عدم انفكاكها عن الطبيعة في الخارج هل يسري الأمر من الطبيعة إليها على البدل عند العرف أو لا ، سواء كان تشخّصها بتلك العوارض أو لم يكن؟ فالمسألة عرفيّة لا فلسفية.
ثمّ إنّ ثمرة المسألة تظهر في موارد عديدة :
منها : باب اجتماع الأمر والنهي كالصّلاة في الدار المغصوبة فإنّه قد يقال : بأنّه إذا تعلّق الأمر بالطبائع كانت النتيجة جواز الاجتماع ، لأنّ الأمر المتعلّق بالصّلاة لا يسري إلى الخصوصيّات الفرديّة كغصبية الدار في المثال ، وإن قلنا بتعلّقه بالافراد كانت النتيجة الامتناع ، لأنّ الخصوصيّة المزبورة ( أي الغصبية ) تصير أيضاً منهياً عنها ويستحيل تعلّق الأمر بالمنهي عند الآمر والمبغوض عنده ( فتأمّل ).
منها : حكم الضمائم المباحة في الوضوء وغيره من أبواب العبادات كالوضوء بالماء الحارّ في الشتاء والبارد في الصيف ، فلو توضّأ مثلاً بالماء البارد مع قصد التبريد وقلنا بتعلّق الأمر بالطبيعة ، فلا إشكال في صحّة الوضوء لأنّ المأمور به إنّما هو مجرّد الطبيعة ، وقد وقعت بقصد القربة ، وأمّا إن قلنا بتعلّق الأمر بالافراد يقع الوضوء باطلاً ، لأنّ الخصوصيّة أيضاً وقعت متعلّقة للأمر العبادي فلابدّ من إتيانها أيضاً بقصد القربة.
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٤ ، ص ١٨ ـ ٢٠.