إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز أو لا؟
ويمكن أن نعبّر عن عنوان البحث بأنّه إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز على حدّ الاستحباب ، أو لا؟
واعلم أنّه لم يذكر في كلمات القوم مثالاً من الأمثلة الفقهيّة للمقام ولكن يمكن التمثيل له بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ )(١) حيث يمكن أن يقال بأنّه يدلّ على وجوب الجهاد وإن كان المسلمون من حيث العدد عُشر عدد الكفّار ولكنّه نسخ بقوله تعالى بعده : ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )(٢) فإنّه يدلّ على تخفيفه تعالى عن المسلمين ورفع وجوب الجهاد إلاّفيما إذا كان عدد المسلمين نصف عدد الكفّار على الأقلّ ، فيبحث حينئذٍ في أنّه هل يبقى جواز الجهاد أو استحبابه فيما إذا كان عدد المسلمين عُشر عدد الكافرين أو لا؟
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المعروف بين المحقّقين عدم بقاء حكم الجواز فضلاً عن الاستحباب ، وهو الصحيح في المسألة ، وذلك لأنّ بقاء الجواز إمّا يستفاد من دليل الناسخ أو من دليل المنسوخ أو من دليل آخر خارج عنهما ، أمّا الدليل الناسخ فلا إشكال في عدم دلالته عليه حيث إنّه دالّ على مجرّد نسخ الحكم فقط لا أكثر وهذا واضح ، وبعبارة اخرى : أنّ لسانه لسان الرفع لا الوضع والإثبات.
__________________
(١) سورة الأنفال : الآية ٦٥.
(٢) سورة الأنفال : الآية ٦٦.