ومنها : أن يكون المأمور به جامعاً حقيقيّاً بين الأفراد ، أي كان للافراد قدراً مشتركاً واقعيّاً يراه الشارع فقط فيأمر به ولا يراه المكلّف ، فهو نظير الحرارة التي تكون مشتركاً خارجاً وحقيقة بين الشمس والنار ، وقدراً جامعاً حقيقيّاً بينهما ، وهذا ممّا لم نعرف له قائلاً مشخّصاً.
ومنها : أن يكون كلّ واحد من الطرفين ( أو الأطراف ) واجباً مشروطاً بعدم إتيان الآخر ، وهذا ما يستفاد من بعض كلمات المحقّق الإصفهاني رحمهالله.
ومنها : أن يكون لكلّ واحد من الأطراف نوع خاصّ من الوجوب إجمالاً يمتاز عن الوجوب في الواجب التعييني ، وهذا هو ظاهر كلام السيّد اليزدي رحمهالله في حاشيته على المكاسب في مباحث البيع الفاسد.
ومنها : أن يكون الواجب طرفاً معيّناً من الأطراف عند الله تبارك وتعالى ، وهو نفس ما يختاره المكلّف في مقام الامتثال ، وحيث إنّ الله تعالى كان عالماً بمختار المكلّف أوجب عليه خصوص ذلك الفرد ، وقد نسب هذا القول إلى الأشاعرة ، وقيل أنّ كلاً من الأشاعرة والمعتزلة نسب هذا الوجه إلى صاحبه لسخافته.
ومنها : التفصيل الذي أفاده المحقّق الخراساني في الكفاية بين ما إذا كان هناك غرض واحد قائم بكلا الطرفين ( أو بكلّ واحد من الأطراف ) فيكون الواجب هو القدر الجامع الحقيقي بينهما ويكون التخيير عقليّاً ، وبين ما إذا كان في البين غرضان يقوم بكلّ واحد منهما واحد من الطرفين ، فيكون الواجب حينئذٍ كلّ واحد من الطرفين ( أو الأطراف ) على نحو من الوجوب ويكون التخيير حينئذٍ شرعيّاً.
إذا عرفت الأقوال المختلفة والوجوه العديدة في المسألة فنقول : لا بدّ من طرح البحث في مقامين : مقام الثبوت ومقام الإثبات ( وقد وقع الخلط بينهما في بيان المحاضرات ).
أمّا مقام الثبوت : فالأولى في حلّ الإشكال في هذا المقام هو الرجوع إلى الواجبات التخييريّة الموجودة عند العرف وتحليل ما يوجد في الأشياء الخارجيّة من المصالح.
فنقول : أنّ المصالح الموجودة في الأشياء تتصوّر على صور أربعة : فتارةً : تقوم المصلحة بشيء لا يقوم مقامه شيء آخر كما إذا كان الوصول إلى مقصد متوقّفاً على طيّ طريق خاصّ ولم يوجد طريق آخر إليه ، أو انحصر علاج مرض بدواء خاصّ.