وإذا أمكن هذا في الصفات الحقيقيّة كالنجاسة والطهارة أمكن في الامور الاعتباريّة بطريق أولى ، فيمكن أن يتعلّق التكليف بالفرد المردّد بين الشيئين مع عدم تعيّنه في الخارج (١).
قلنا : إنّ متعلّق العلم الإجمالي في المثال المزبور أيضاً متعيّن في الواقع وفي علم الله تعالى ، لأنّ ما علم المكلّف بنجاسته كان إناءً خاصّاً معيّناً وحصل العلم فيه بطريق خاصّ كالرؤية بالبصر مثلاً ، ولا إشكال في أنّ متعلّق هذا الطريق ـ أي المرئيّ بالبصر ـ شيء معيّن خاصّ ، فقياس ما نحن فيه بمثل هذه الموارد قياس مع الفارق.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ قوام الفرديّة بالتعيين والتشخّص ، أي يكون الفرد جزئيّاً حقيقيّاً وإلاّ لا يكون فرداً ، وهذا لا ربط له بالواجب التخييري الذي يكون المتعلّق فيه كلّياً وهو عنوان « أحدهما ».
وأمّا الوجه الثالث : وهو أن يكون الواجب هو القدر الجامع الحقيقي.
ففيه : أنّ لازمه إنكار التخييري الشرعي وإرجاع جميع الواجبات التخييريّة إلى التخيير العقلي ، لأنّ لازم كون الواجب هو القدر الجامع الحقيقي في جميع الموارد وجود جامع حقيقي فيها ، ومع وجوده يكون التخيير بين الأطراف هو التخيير بين مصاديق كلّي واحد كالصّلاة بالنسبة إلى أفرادها الكثيرة من حيث الزمان أو المكان ، ولا إشكال في أنّ تخيير المكلّف بين مصاديق الصّلاة ، أي تخييره بين أن يأتي بها في هذا المكان أو ذاك المكان ، أو تخييره بين أن يأتي بها في هذه الساعة أو تلك الساعة ، تخيير عقلي ، مع أنّ محلّ البحث إنّما هو الواجبات التخييريّة الشرعيّة أو المولويّة الموجودة في القوانين العقلائيّة أو في لسان الشرع.
وأمّا الوجه الرابع : وهو أن يكون وجوب كلّ واحد من الطرفين مشروطاً بترك الآخر ـ ففيه أنّه يستلزم تعدّد العقاب في صورة ترك كلا الطرفين ، لأنّ ترك كلّ واحد منهما يوجب تحقّق شرط وجوب الآخر ، فيصير وجوب كلّ منهما فعلياً ، ويكون لازم ترك كليهما ترك الواجبين وتحقّق معصيتين ، ولازمه تعدّد العقاب ، مع أنّه لا نظنّ أن يلتزم به أحد.
وأمّا القول الخامس : وهو أن يكون الواجب كلاّ من الطرفين ولكن بنوع من الوجوب غير الوجوب التعييني ، وهو بمعنى جواز تركه إلى بدله.
__________________
(١) راجع هامش أجود التقريرات : ج ١ ، ص ١٨٣.