الواجب الكفائي
لا إشكال أيضاً في وجود الواجب الكفائي في العرف والشرع ( كالواجب التخييري ) ففي لسان الشرع نظير وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتجهيز الميّت ، والمكاسب الضروريّة لحفظ النظام وتحصيل الفقه إلى حدّ الاجتهاد والجهاد في كثير من الموارد ، والتصدّي لأمر القضاء والقيام بالامور الحسبيّة ، وفي العرف نظير ما إذا أمر المولى عبده بقوله « ليفتح أحدكم الباب » ونظير ما وقع في قصّة أصحاب الكهف حيث ورد فيها ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ )(١) ، وفي القوانين العقلائيّة نظير ما يوضع في إدارة الاطفاء لموظّفي تلك الادارة حيث إنّ أمر إطفاء الحريق كثيراً مّا يتحقّق بجماعة معيّنة.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ جميع الصور التي ذكرناها في بيان حقيقة الواجب التخييري غير واحدة منها تأتي هنا أيضاً ، إلاّ أنّ الترديد هناك كان في المكلّف به ، وفي ما نحن فيه في المكلّف كما لا يخفى ، وحينئذٍ يكون متعلّق الخطاب هنا بناءً على الوجه الأوّل الذي مرّ في الواجب التخييري ـ « الفرد المردّد من المكلّف » ، وعلى الوجه الثاني عنوان « أحد المكلّفين » الذي يكون من العناوين الانتزاعيّة ، وعلى الوجه الرابع « كلّ واحد من المكلّفين » مشروطاً بعدم مبادرة سائر المكلّفين إلى العمل ، وعلى الوجه الخامس « كلّ واحد من المكلّفين » على نحو من الوجوب غير الوجوب العيني بحيث إذا قام أحدهم للعمل سقط الوجوب عن السائرين ، وعلى الوجه السادس « المكلّف المعلوم عند الله » وهو من بادر إلى الامتثال بالنسبة إلى غيره ، فيأتي في المقام ستّة وجوه من الوجوه السبعة المذكورة هناك ، والوجه الذي لا يتصوّر هنا هو
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ١٩.