الواجب المضيّق ، فقد يقال ، أنّه لا إشكال في أنّ زمان الانبعاث متأخّر عن زمان البعث ولو آناً مّا ، فلو فرضنا أنّه بمجرّد طلوع الفجر مثلاً وقع الإيجاب في لحظة بعد الطلوع ، وأنّ إرادة المكلّف وعزمه على الفعل أيضاً يحتاج إلى لحظة من الزمان فلا أقلّ من أن يتأخّر الانبعاث عن البعث بمقدار لحظتين من الزمان ، ولازمه خروج كلّ واجب مضيّق عن كونه مضيّقاً ودخوله في الواجب الموسّع ، وأن يكون كلّ واجب موقّت موسّعاً.
ولكنّه إشكال واهٍ وضعيف غاية الضعف ، حيث إنّ المفروض أنّ القضايا الشرعيّة قضايا شرطيّة حقيقة صدرت من جانب الشارع قبل مجيء زمان الواجب بل قبل تولّد هذا المكلّف ، وأنّ المكلّف يطلع عليها قبل دخول الوقت ، فهو يعلم مثلاً أنّ وجوب الصّيام يصير فعليّاً بالنسبة إليه بمجرّد طلوع الفجر ، وأنّ عليه أن يمسك عن الأكل والشرب من أوّل طلوع الفجر ( كما ورد في قوله تعالى : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ )(١) ) فهو يريد الامساك ويعزم عليه لحظات قبل الطلوع من باب المقدّمة العلمية ، وعليه يكون زمان البعث منطبقاً على زمان الانبعاث كما لا يخفى.
واستشكل في الواجب الموسّع بأنّ لازمه جواز ترك الواجب في زمان وجوبه وهذا ينافي معنى الوجوب.
والجواب عنه أيضاً واضح : لأنّ متعلّق الواجب إنّما هو طبيعة الصّلاة الواقعة بين الحدّين من الزمان ، وليس المتعلّق أفرادها الطوليّة كما لا يكون المتعلّق أفرادها العرضيه كإتيانها في المسجد أو في الدار ، وبعبارة اخرى : الساعات الواقعة بين الحدّين إنّما هي بمنزلة الأفراد والمصاديق لتلك الطبيعة التي يكون المكلّف مخيّراً بينها تخييراً عقليّاً ، ولا إشكال في أنّ اختيار المكلّف فرداً من أفراد الواجب التخييري أي طرفاً من أطرافه لا يستلزم تركه للواجب بل يتحقّق ترك الواجب بترك جميع الأفراد والابدال.
ثمّ إنّ هيهنا بحثاً معروفاً قديماً وحديثاً ، وهو أنّه هل يجب القضاء بمجرّد ترك الواجب في
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٨٧.