في دلالات صيغة النهي
وفيه جهات من البحث :
المعروف بين القدماء وكثير من المتأخّرين أنّ مفاد النهي متّحد مع مفاد الأمر في دلالة كليهما على الطلب ، إنّما الفرق في متعلّقهما ، فمتعلّق النهي هو الترك ، ومتعلّق الأمر هو الفعل ، وقد ذهب إليه جماعة من المتأخّرين أيضاً منهم المحقّق النائيني رحمهالله ، ولكن ذهب جماعة اخرى من المحقّقين المعاصرين إلى العكس ، فمتعلّق الأمر والنهي عندهم واحد وهو الفعل ، ومدلولهما مختلف ، فمدلول النهي هو الزجر عن الفعل ، ومدلول الأمر هو البعث إلى الفعل ، وهذا هو المختار ، ومختار تهذيب الاصول واختاره أيضاً بعض الأعلام في المحاضرات وفي هامش أجود التقريرات.
ويمكن أن يستدلّ له :
أوّلاً : بالتبادر فإنّ المتبادر من هيئة « لا تفعل » هو الزجر والمنع عن الفعل لا طلب تركه.
وإن شئت قلت : النهي التشريعي كالنهي التكويني فكما أنّ الناهي عن فعل تكويناً وخارجاً يمنع المنهي ويزجره عن الفعل بيده مثلاً لا أنّه يطلب تركه ـ كذلك الناهي تشريعاً.
ثانياً : إنّ النواهي لا تصدر من جانب الناهي إلاّلوجود مفاسد في الأفعال المنهي عنهاكما أنّ الأوامر تصدر من جانب الآمر لأجل مصالح موجودة في الأفعال المأمور بها ، فالنهي عن شرب الخمر لا يكون إلاّلأجل مفسدة فيه ، كما أنّ الأمر بالصّلاة لا يكون إلاّلأجل مصلحة موجودة في الصّلاة ، لا أنّ النهي عن شرب الخمر يكون لأجل مصلحة في تركه حتّى يكون