منها بصرف الوجود ، من دون فرق بين الامور الشرعيّة والامور العرفيّة ، وأمّا المفسدة فلا يكفي فيها صرف الترك حيث إنّها موجودة في كلّ فرد فرد من أفراد الطبيعة المنهي عنها ، وبالطبع تحصل الغاية من النهي بترك جميع الأفراد كالمفسدة الموجودة في السمّ حيث إنّ الغاية في النهي عن شربه إنّما هو حفظ النفس وهو متوقّف على ترك جميع الأفراد كما لا يخفى ، وحيث إنّ هذه الخصوصيّة هي الغالبيّة في المصالح والمفاسد حصل من جانبها انصراف في الأوامر والنواهي ، فإنصرف الأمر إلى فرد واحد وانصرف النهي إلى جميع الأفراد.
الأمر الثاني : أنّ المفاسد في النواهي تتصوّر على ثلاثة أقسام : ففي قسم منها ـ وهو الغالب ـ يكون صرف العدم من المفسدة حاصلاً فيكون النهي عنها ( لتحقّق صرف العدم منها ) تحصيلاً للحاصل ، ويصير هذا قرينة على تعلّق النهي بجميع الأفراد على نهج العام الافرادي ، نظير ما إذا نذر الإنسان أن يترك التدخين إلى آخر عمره ، فإنّ لكلّ فرد من المنهي عنه فيه مفسدة على حدة ، فإذا حصل الحنث بالنسبة إلى بعض الأفراد لا يسقط التكليف بالترك بالنسبة إلى سائر الأفراد.
وفي قسم آخر منها تكون المفسدة قائمة بصرف الوجود من المنهي نظير ما إذا نذر أن يترك صرف الوجود من التدخين ، فيحصل الحنث حينئذٍ بصرف الوجود منه ولا إلزام عليه بالإضافة إلى سائر الأفراد.
وفي قسم ثالث منها تكون المفسدة قائمة بالمجموع من حيث المجموع كالمادّة السمّية التي تحصل مفسدتها ـ وهي هلاك النفس ـ فيما إذا تناول مجموعها وهو نظير ما إذا نذر أن يترك التدخين على نهج العام المجموعي فيحصل الحنث حينئذٍ بتدخين المجموع فقط ولا مانع في تدخين بعضها.
إذا عرفت هذا فنقول : حيث إنّ الغالب في النواهي إنّما هو القسم الأوّل بل لا مصداق للقسمين الآخرين إلاّ أحياناً وفي بعض الموارد ، فلابدّ فيهما من نصب قرينة تصير منشأً لانصراف النواهي عن القسم الأوّل ، وقرينة عامّة لعدم كفاية صرف العدم ، على عكس ما في الأوامر فحيث إنّ إتيان جميع الأفراد فيها مستحيل عادةً صار ذلك قرينة على كفاية صرف الوجود ، فتدبّر جيّداً.
ثمّ إنّه قد أورد على الوجه الأوّل ( وهو أنّ المصلحة تترتّب غالباً على صرف الوجود