فتكون تلك الغلبه كاشفاً عن تعلّق المصلحة بصرف الوجود المتحقّق بإيجاد فرد ، كما أنّ المفسدة في النهي تترتّب على كلّ فرد فتكون قرينة عامّة على أنّ النهي متعلّق بإيجاد كلّ فرد باستقلاله ) بأنّه إن أراد من تعلّق النهي بكلّ فرد أنّ المادّة أخذت مرآة للخصوصّيات والزجر تعلّق بكلّ فرد فقد عرفت امتناع مرآتيتها لها وضعف ما يتمسّك لإثباتها من سريان الطبيعة واتّحادها معها ، وإن أراد أنّ النهي متعلّق بالطبيعة إلاّ أنّ تلك الغلبة قرينة على أنّ جدّ المولى هو الزجر عن كلّ فرد.
ففيه : أنّ الزجر مفاد النهي الاستعمالي ، فإذا استعملت الهيئة في نفس الطبيعة دون الأفراد فلا يرجع كون الزجر عن الأفراد جدّاً إلى محصّل إلاّ أن يرجع إلى التشبّث بالاستعمال المجازي وهو كما ترى (١).
أقول : قد مرّ أنّ الطبيعة تكون مرآة للافراد في جميع الحالات ، وتوضيحه : إنّا حينما فتحنا أعيننا رأينا الأفراد وتصوّرناها قبل تصوّر الطبيعة ، ثمّ نظرنا ولاحظنا أنّ الأفراد تختلف بالنسبة إلى الاغراض التي تتعلّق بها ، فتارةً : يتعلّق الغرض بفرد خاصّ مع الخصوصيّة الفرديّة فوضعنا اللفظ بإزائه علماً شخصيّاً ، واخرى : يتعلّق الغرض بجميع الأفراد لا بفرد خاصّ فلا دخل فيه للخصوصّيات الفرديّة فإنتزعنا من جميع المصاديق جامعاً عقليّاً ووضعنا اللفظ بإزائه وسمّيناه بالطبيعة ، وحينئذٍ تكون الطبيعة متولّدة من مشاهدة الأفراد وملاحظتها ، بل إنّ هذا هو الطريق الوحيد في إدراك المفاهيم أيضاً ، ولا إشكال في أنّ لازم هذا أن تكون الطبيعة مرآة إلى الوجودات الفرديّة الخارجيّة وإن لم تكن مرآة لخصوصّياتها الشخصيّة.
أنّه لا إشكال في دلالة النهي على الحرمة ( كما أنّ الأمر كان دالاً على الوجوب ) إنّما الإشكال في أنّ هذه الدلالة هل هي مقتضى الوضع فتكون استعمال النهي في الكراهة مجازاً ، أو أنّها مقتضى الإطلاق ومقدّمات الحكمة فيكون الاستعمال في الكراهة أيضاً استعمالاً حقيقياً؟
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٢٩٦ ـ ٢٩٧ ، طبع مهر.