الحقّ هو الثاني ، أي يستفاد الوجوب من الإطلاق ومقدّمات الحكمة كما مرّ نظيره في مبحث الأمر ، فإنّ الكلام هنا هو الكلام هناك ، فكما أنّ دلالة الأمر على الوجوب كان من باب أنّ معناه هو الطلب مطلقاً ( الذي يعبّر عنه بالفارسيّة بـ « خواستن » ) ولا سبيل لعدم الطلب ( الذي يعبّر أيضاً عنه بالفارسيّة « نخواستن » ) فيه ، فيكون الوجوب مقتضى هذا الإطلاق ، ولازمه أن لا يكون استعمال الأمر في الاستحباب مجازاً مع احتياجه إلى قيام قرينة على الاستحباب ، كذلك دلالة النهي على الحرمة ، فإنّ معناه الزجر والمنع عن الفعل مطلقاً من دون تطرّق عدم الزجر فيه ، وهذا يقتضي الحرمة وأن لا يكون استعماله في الكراهة بضمّ القرينة مجازاً ، لأنّه ليس من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له.
هل النهي يدلّ على التكرار والاستمرار ووجوب إتيان جميع الأفراد الطوليّة ( بعد ما مرّ سابقاً من دلالته على وجوب إتيان جميع أفراده العرضيّة ) أو لا؟
لا إشكال في أنّ الأمر لا يدلّ على المرّة ولا على التكرار كما مرّ ، ولكن حيث إنّ ملاك الحرمة في النواهي وهو المفسدة قائمة بتمام الأفراد كما عرفت كان مقتضى إطلاق النهي وعدم تقييده بحدّ زماني الاستمرار والتكرار ، أي الإتيان بجميع الأفراد الطوليّة كالافراد العرضيّة ، نعم إذا قيّد بقيد زماني كأن يقول المولى : « لا تشرب الخمر إلى الغروب » فلا إشكال في عدم دلالته على التكرار.
إن قلت : لازم هذا لزوم الفتوى بوجوب الاستمرار في باب النذر فيما إذا نذر مثلاً على نحو الإطلاق أن يترك الدخين وأن يبقى وجوب الوفاء على حاله حتّى بعد وقوع الحنث ، مع أنّ الظاهر أنّه لا يقول به أحد.
قلنا : أوّلاً : لقائل أن يقول في خصوص باب النذر : بأنّ النهي ليس من قبيل الزجر عن الفعل بل أنّه من قبيل طلب الترك ، لأنّ الناذر يقول : « لله عليّ ترك التدخين » وهذا بعد ضمّ دليل الوفاء ، أي ( اوفوا بالنذور ) معناه « يجب عليك ترك التدخين » لا الزجر عن التدخين كما لا يخفى ، ولا إشكال في أنّه إذا كان هذا هو متعلّق النذر لم يجب التكرار والاستمرار بل يحصل الوفاء بإتيان مصداق واحد.