النزاع في تلك المسألة كبروي حيث إنّ المبحوث عنه فيها إنّما هو ثبوت الملازمة بين النهي عن عبادة وفسادها وعدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت تلك الصغرى أي صغرى السراية وتعلّق النهي بالعبادة (١).
ولقائل أن يقول خامساً : إنّ التغاير بين المسألتين إنّما هو في الملاك ، فإنّ الملاك في ما نحن فيه هو ملاك باب التزاحم ، أي يوجد الملاك لكلّ من المأمور به والمنهي عنه المجتمعين في المجمع ، فيبحث في أنّه هل يكون الحكمان من قبيل المتزاحمين حتّى نقول بالامتناع ، أو لا يكون حتّى نقول بالجواز؟ بينما الملاك في مسألة النهي في العبادة إنّما هو ملاك باب التعارض ، أي أنّ الملاك الموجود في المجمع واحد إمّا المفسدة وإمّا المصلحة ، فلسان الأدلّة متعارضة.
أقول : الإنصاف أنّه لا ربط بين المسألتين حتّى يبعث عن وجه التمايز بينهما لأنّهما متغايرتان موضوعاً ومحمولاً ، ملاكاً وجهة ، ولا إشكال في أنّ التمايز بجميع هذه الامور ينتج تمايزاً جوهريّاً بين المسألتين ، ولذلك لا يهمّنا البحث في كلّ واحد واحد من الوجوه المذكورة ونقدها.
أضف إلى ذلك أنّ البحث في المقام بحث عن حكمين تكليفيين وجواز اجتماعهما أو امتناعه ، بينما البحث هناك بحث في الحكم الوضعي وهو الصحّة والفساد.
هل المسألة اصوليّة أو أنّها من المبادىء التصديقية للمسائل الاصوليّة أو أنّها من مبادئها التصوّريّة أو من مبادئها الأحكاميّة أو تكون المسألة فقهيّة أو كلاميّة؟
ربّما يقال : إنّها مسألة اصوليّة لأنّ نتيجتها إثبات حكم شرعي فرعي وهو جواز الصّلاة وصحّتها في الدار المغصوبة مثلاً بناءً على جواز الاجتماع ، وبطلانها بناءً على الامتناع.
ولكنّه ظاهر الفساد ، لأنّ نتيجة المسألة إنّما هي جواز الاجتماع أو امتناع ، ولا إشكال في أنّهما ليسا حكمين فرعيين شرعيين بل إنّهما يقعان في طريق استنباط الحكم الفرعي الشرعي.
ويمكن أن يقال : أنّها مسألة كلاميّة من باب أنّ المسألة عقليّة ويكون البحث فيها عن استحالة اجتماع الأمر والنهي وإمكانه عقلاً ، والبحث عن الاستحالة والإمكان يناسب المباحث الكلاميّة.
__________________
(١) راجع المحاضرات : ج ٤ ، ص ١٦٥ ـ ١٦٦.