والحقّ في هذه المقدّمة ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمهالله من عدم التوقّف ، لأنّ النزاع في ما نحن فيه مرتكز على تضادّ الأحكام وعدمه أوّلاً ، وعلى أنّ التركيب في مورد الاجتماع انضمامي أو اتّحادي ثانياً ، فمن قال بتضادّ الأحكام أو كان يرى أنّ الحيثيتين في مورد الاجتماع تعليليتان وأنّ التركيب اتّحادي ذهب إلى امتناع الاجتماع وإن إلتزم بكون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد كالأشعري ، كما أنّ من لم يقل بتضادّ الأحكام أو كان يرى أنّ الحيثيتين تقييديتان وأنّ التركيب انضمامي ذهب إلى جواز الاجتماع ولو كان ممّن يلتزم بتبعيتها لها (١).
إلى هنا تمّ ما أردنا ذكره من المقدّمات.
إذا عرفت هذا فلنشرع في نقل الأقوال في المسألة فنقول : المهمّ فيها قولان : القول بالامتناع مطلقاً ، والقول بالجواز مطلقاً ، والأوّل منسوب إلى المشهور ولكن المحقّق البروجردي رحمهالله قد أنكر هذه النسبة بدعوى أنّها نشأت من قول المشهور بفساد الصّلاة في الدار الغصبي مع أنّه لا يكشف عن كونهم قائلين بالامتناع لأنّ القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في مقام توجّه الخطاب لا يستلزم القول بالصحّة في مقام الامتثال حتّى يقال إنّ كلّ من قال بعدم الصحّة في مقام الامتثال قال بالامتناع في مقام الخطاب بل يمكن أن يقال ببطلان الصّلاة لأنّ المبعّد ليس مقرّباً ( كما هو المختار ) وإن كان المبنى في المسألة الاصوليّة هو الجواز نعم ، مع الجهل أو النسيان يقع العمل صحيحاً لعدم ابتلائه في الحالين بما هو مبغوض وإن قلنا بالامتناع (٢).
وكيف كان ، فقد استدلّ المحقّق الخراساني رحمهالله على الامتناع بما يتشكّل من مقدّمات أربع :
المقدمة الاولى : أنّ الأحكام متضادّة في مقام الفعليّة وهي مقام البعث والزجر ، وإن لم يكن بينها تضادّ في مقام الاقتضاء والإنشاء.
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٤٥ ـ ٣٤٦.
(٢) راجع حاشيته على كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٣٦٥ ـ ٣٦٦.