المنوّعة أو المصنّفة أو المشخّصة أو بالقياس إلى حالات شخص واحد ، ومن الضروري أنّ غرض المتكلّم كما يتعلّق بإفادة المفهوم على إطلاقه وسعته كذلك قد يتعلّق بإفادة حصّة خاصّة منه كما في قولك « الصّلاة في المسجد حكمها كذا » ، وحيث إنّ حصص المعنى الواحد فضلاً عن المعاني الكثيرة غير متناهية ، فلابدّ للواضع الحكيم من وضع ما يوجب تخصيص المعنى وتقييده ، وليس ذلك إلاّ الحروف والهيئات ... وبذلك يظهر أنّ إيجاد الحروف لمعانيها إنّما هو باعتبار حدوث الضيق في مرحلة الإثبات والدلالة ، وإلاّ لكان المفهوم متّصفاً بالاطلاق والسعة ... وإمّا باعتبار مقام الثبوت فالكاشف عن تعلّق القصد بإفادة المعنى الضيّق إنّما هو الحرف » (١).
أقول : يرد عليه امور :
أحدها : إنّ هناك قسماً ثالثاً من الحروف لا يجري فيه شيء ممّا ذكره كالحروف العاطفة فإنّها ليست إنشائيّة كما أنّها ليست لبيان الحصص الخاصّة من المعاني الاسميّة وغيرها.
ثانيها : إنّه قد تكون الحروف لتضييق النسب الموجودة في الكلام التي هي بنفسها من المعاني الحرفيّة كقولك « عليك بإكرام زيد في دارك » فإنّ كلمة « في » هنا إنّما هي لتضييق نسبة الإكرام إلى زيد لا تقييد الإكرام ولا تقييد نفس زيد كما لا يخفى على المتأمّل.
ثالثها : وهو العمدة ما أوردناه سابقاً على مذهب المحقّق النائيني رحمهالله وهو أنّ التضييق لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون مع الحكاية والدلالة على الخارج أو بدونها ، فإن لم يكن مع الدلالة فلا معنى له ، وإن كان مع الحكاية والدلالة فيكون دور الحروف أوّلاً هو الدلالة على معنى والحكاية عن الخارج ، ثمّ تضييق المعاني الاسميّة بواسطتها.
أمّا القول الخامس : فقد مرّ بيانه ويزيدك توضيحاً : إنّ الموجودات الممكنة على ثلاثة أقسام :
الأوّل : وجود في نفسه لنفسه ، أي وجود مستقلّ في الذهن والخارج وهو الجوهر ، نحو الروح والجسم.
الثاني : وجود في نفسه لغيره فيكون مستقلاً في المفهوم فقط ولكن إذا وجد وجد في
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ١٨ ـ ١٩.