والثاني : ما كان نهياً تبعيّاً ناشئاً من توقّف واجب فعلي على ترك عبادة مضادّة له بناءً على توقّف وجود أحد الضدّين على عدم الآخر ، فلا موجب لتوهّم دلالته على الفساد أصلاً وذلك لما عرفته في محلّه من أنّ غاية ما يترتّب على النهي الغيري هذا إنّما هو عدم الأمر به فعلاً مع أنّه يكفي في صحّة العبادة اشتمالها على ملاك الأمر وإن لم يتعلّق بها بالفعل أمر من المولى ( انتهى مع تلخيص ) (١).
أقول : يرد عليه أنّ ما أفاده في النهي التنزيهي فيما إذا لم يكن إطلاق الأمر شمولياً صحيح في محلّه ، ولكنّه مبني على عدم سراية الأوامر من الطبائع والعناوين إلى الأفراد الخارجيّة ، وأمّا بناءً على ما مرّ سابقاً من سرايتها إلى الأفراد وأنّ المطلوب واقعاً إنّما هو الأفراد لا الطبائع فلا ، وعليه يكون فرد الصّلاة في الحمّام أيضاً مطلوباً ، ومطلوبيتها تنافي النهي عنها.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ محل الكلام في المقام كما عرفت إنّما هو النهي المولوي لا الإرشادي لأنّ النواهي الإرشاديّة سواء في باب المعاملات أو العبادات إنّما ترشدنا إلى الشرطيّة أو الجزئيّة.
وبعبارة اخرى : إرشاد إلى بطلان العبادة أو المعاملة إذا أتى بها بدون ذلك الشرط أو الجزء فمعنى « لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل » « لا تصلّ لأنّها تبطل » ، ولا يخفى أنّ أكثر النواهي الواردة في باب المعاملات تكون كذلك ، أي أنّها إرشاديّة ، بل المثال الوحيد المعروف الذي يذكره القوم للنهي المولوي في باب المعاملات هو النهي عن الصّلاة وقت النداء ، وأمّا سائر النواهي الواردة فيها إرشاديّة ، كما أنّ غالب الأوامر والنواهي التي تعلّقت في كلام الشارع بجزء أو شرط تكون كذلك ، وهذا أمر واضح ومن القضايا التي قياساتها معها.
فنقول : العبادة على قسمين : العبادة بالمعنى الأخصّ والعبادة بالمعنى الأعمّ ، والعبادة بالمعنى الأخصّ ما يعتبر فيه قصد القربة بحيث تقع بدونه فاسدة ، والعبادة بالمعنى الأعمّ ما يقصد فيه
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٨٦ ـ ٣٨٧.