بقي هنا شيء :
وهو ما قد مرّ كراراً ممّا قد يقال : إنّ هذه التعاريف ليست تعاريف حقيقية بل إنّها تعاريف شرح الاسميّة فلا ينبغي الإيراد في طردها وعكسها.
وقد أجبنا عنه أيضاً بأنّ ظاهر كلمات القوم أنّهم بصدد بيان التعريف الحقيقي الجامع والمانع ، والشاهد عليه تعابيرهم الواردة في ذيل التعاريف كقولهم بأنّا إنّما ذكرنا هذا القيد لكذا وكذا ، وحذفنا ذاك القيد لكذا وكذا ، وحينئذٍ ينبغي لنا أيضاً الإشكال فيها طرداً وعكساً.
أمّا حدود محلّ النزاع ويأتي فيه أيضاً بعض ما مرّ في مبحث « الصحيحي والأعمّي » وهو ثلاثة امور :
الأمر الأوّل : أنّ محلّ النزاع في المقام هو ما يكون أمراً مركّباً قابلاً للاتّصاف بالصحّة والفساد ، أمّا ما ليس كذلك فهو خارج عن محلّ الكلام ، وهو عبارة عن ما لا أثر له كما في بعض المباحات كالتكلّم بكلام مباح ، فلا إشكال في أنّ النهي عنه يوجب حرمته من دون أن يدلّ على الفساد لأنّه لم يكن له أثر حتّى يقع فاسداً بعد تعلّق النهي ، وهكذا ما يكون ذا أثر ولكنّه من البسائط التي أمرها دائر بين الوجود والعدم كإتلاف مال الغير ، فإنّ له أثر وهو الضمان ولكنّه أمر بسيط لا يتصوّر فيه الأجزاء والشرائط حتّى يتصوّر فيه الفساد ويدلّ النهي عنه على الفساد ، بل إنّه إمّا يوجد في الخارج فيترتّب عليه أثره وهو الضمان أو لا يوجد في الخارج فلا يترتّب عليه أثره.
الأمر الثاني : في المراد من الصحّة والفساد.
فقد ذكر للصحّة ( وبالتبع للفساد ) معانٍ عديدة ، فقال بعض أنّها بمعنى تماميّة الأجزاء الشرائط ، وقال بعض آخر أنّها بمعنى ما تسقط به الإعادة والقضاء ، وذهب ثالث إلى أنّها بمعنى الموافقة للأمر أو الموافقة للشريعة ، والأوّلان منقولان من الفقهاء ، والأخير نقل عن المتكلّمين.
ولكن قد مرّ في مبحث الصحيح والأعمّي أنّ المختار هو أنّ الصحيح ما ترتّب عليه الأثر المترقّب عنه ، والشاهد عليه العرف والتبادر العرفي وتمام الكلام في مبحث الصحيحي والأعمّي.