الأمر الثالث : أنّ للصحّة استعمالات ثلاثة : فتارةً : تستعمل في مقابل العيب ، واخرى : في مقابل المرض ، وثالثة : في مقابل الفساد ، وقد وقع الخلط بينها في بعض الكلمات مع أنّ الصحّة في مقابل العيب تستعمل في أبواب الخيارات ، وهي فيها بمعنى عدم النقصان عن الخلقة الأصلية ، والصحّة في مقابل المرض تستعمل في مثل أبواب الصّيام والحجّ بالنسبة إلى المكلّف الحي ، وهي فيها بمعنى سلامة المزاج وعدم انحرافه عن طبيعته الأوّليّة ، والداخل في محلّ النزاع في ما نحن فيه إنّما هو الاستعمال الثالث ، وهي فيه بمعنى ترتّب الآثار المترقّبة من شيء عليه.
نعم هيهنا نكتة تنبغي الإشارة إليها ، وهي أنّ الصحّة في مقابل الفساد ( أي الصحّة بالمعنى الثالث ) تكون عند العرف من الكيفيات والحالات فيقال « الفاكهة الصحيحة » إذا كانت على حالة معتدلة طبيعية في مقابل الفاكهة الفاسدة ، بينما هي في لسان الشرع ومصطلح الفقهاء تستعمل في الأجزاء والشرائط أي الكيفية والكمّية فيقال : الصّلاة صحيحة إذا كانت جامعة للأجزاء والشرائط ، ويقال الصّلاة الفاسدة إذا كانت فاقدة للطهارة أو الركوع مثلاً ، ولكن هل هو إطلاق مجازي أو أنّه من قبيل الحقيقة الثانويةِ؟ الإنصاف هو الثاني ، أي صارت كلمة « الصحيح » حقيقة شرعيّة في الواجد للأجزاء والشرائط وكلمة « الفاسد » في الفاقد لبعض الأجزاء والشرائط.
الأمر السابع : إنّ الصحّة والفساد أمران إضافيان
يختلفان باختلاف الآثار والأنظار والاشخاص ( خلافاً لمثل الزوجيّة للأربعة وشبهها التي هي من الامور الحقيقية الثابتة مطلقاً ) فبالنسبة إلى اختلاف الآثار نظير المأمور به بالأوامر الظاهريّة ، حيث إنّ المراد من الأثر المترقّب منه إن كان هو ترتّب الثواب عليه فيتّصف بالصحّة ، وإن كان المراد من الأثر سقوط الأمر الواقعي في صورة كشف الخلاف فلا يتّصف بالصحّة ، فالمأمور به حينئذٍ صحيح من جهة وفاسد من جهة اخرى ، وهكذا بالنسبة إلى اختلاف الأنظار ، فإن كان النظر في الأوامر الظاهريّة مثلاً الإجزاء عن الأوامر الواقعيّة في صورة كشف الخلاف كان العمل صحيحاً وإن كان النظر عدم الإجزاء لم يكن العمل صحيحاً ، وكذلك بالنسبة إلى الأشخاص فإن صلاة القصر مثلاً تتّصف بالصحّة بالنسبة إلى المسافر وتتّصف بالفساد بالنسبة إلى الحاضر ، وبهذا يظهر أّنه لا وجه لحصر إضافيّة الصحّة والفساد