هذا ولكن هذا القول وإن كان قويّاً من بعض الجهات لكن لا يشمل تمام أقسام الحروف كما يظهر ذلك عند بيان القول المختار.
الحقّ أنّ الحروف على أقسام مختلفة لا يمكن جعلها تحت عنوان واحد ، فقسم منها حاكيات عن النسب والحالات القائمة بغيرها على المنهج الذي مرّ في القول الخامس ، وقسم آخر إيجادي إنشائي نحو « ليت » و « لعلّ » و « حروف النداء » وما أشبهها لا تحكي عن شيء بل ينشأ بها معانيها ، وقسم ثالث منها علامات لربط الكلام مثل حروف الاستئناف والعطف في الكلام ، وقسم رابع يكون لها معنى اسمي نحو كاف التشبيه التي تكون بمعنى « مثل » ، كلّ ذلك يعلم ممّا ذكرناه في نقل الأقوال السابقة ونقدها مع ما يعلم بالتبادر منها فلا يمكن سوق جميع الحروف سياقاً واحداً.
إن قلت : فلا جامع بين المعاني الحرفيّة ، فيكون الحرف مشتركاً لفظيّاً يطلق على أربعة معان.
قلنا : أوّلاً : إنّا لا نأبى عن ذلك.
وثانياً : يمكن أن يتصوّر للثلاثة الاولى جامعاً وهو « ما ليس له معنى مستقلّ » لا في الذهن ولا في الخارج أعمّ من أن يكون على نحو السالبة بانتفاء الموضوع كالقسم الثالث ، أو كان له معنى غير مستقلّ وهو القسم الأوّل والثاني ، أمّا القسم الرابع فإنّه وإن كان له معنى مستقلّ إلاّ أنّه يلحق بالثلاثة لشباهته بها لفظاً ، بل ومن حيث المعنى من بعض الجهات يكون التشبيه الذي هو مفاد الكاف قائماً بالطرفين ، وهما المشبه والمشبه به ، فيمكن ادخاله تحت ذلك الجامع ببعض الملاحظات ، ولكن العمدة إنّه لا دليل على لزوم أخذ الجامع بينهما كما عرفت.
إن قلت : يمكن أن يقال : إنّ كاف التشبيه تحكي وتدلّ على المماثلة الخارجيّة الواقعيّة بين زيد والأسد مثلاً في جملة « زيد كالأسد » فلا فرق حينئذٍ بينهما وبين معنى الابتداء ، فكما إنّ معنى الابتداء قائم في حرف « من » كذلك المماثلة تكون قائمة بالمشبه والمشبه به ، وعليه يكون معنى الكاف غير مستقلّ كسائر المعاني الحرفيّة.
قلنا : هذا في الحقيقة خلط بين عدم الاستقلال في الوجود الخارجي والوجود الذهني ، فإنّ