بقي هنا شيء :
وهو ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله بالنسبة إلى المقام الرابع من التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من قبيل الشبهة الموضوعيّة ، وإليك نصّ كلامه : « إن كان الشكّ في صحّتها وفسادها من قبيل شبهة موضوعيّة فمقتضى قاعدة الاشتغال فيها هو الحكم بفساد المأتي به وعدم سقوط أمرها ، وأمّا إذا كان لأجل شبهة حكميّة فالحكم بالصحّة والفساد عند الشكّ يبتني على الخلاف في جريان البراءة والاشتغال في الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعية » (١).
وقد أورد عليه :
أوّلاً : بأنّ محلّ الكلام في المقام إنّما هو فيما إذا شكّ في صحّة عبادة بعد الفراغ عن كونها منهياً عنها ، فتكون الشبهة دائماً حكميّة ، فلا يعمّ محلّ النزاع ما إذا كان أصل تعلّق النهي أيضاً مشكوكاً فيه حتّى تدخل فيه موارد الشبهة الموضوعيّة أيضاً.
وثانياً : ليس الشكّ في صحّة العبادة وفسادها ناشئاً دائماً من الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة والمانعية حتّى يكون الحكم بالصحّة والفساد مبتنياً على الخلاف في جريان البراءة والاشتغال فيها ، بل قد يكون ناشئاً من الشكّ في أصل مشروعيّة العبادة لأنّ النهي تعلّق بمجموعها.
إنّ متعلّق النهي تارةً : يكون نفس العبادة كالنهي عن الصّلاة في أيّام الحيض أو النهي عن الصّوم في يوم العيدين ، واخرى : يكون متعلّق النهي جزء من أجزاء العبادة كما إذا نهى عن سور العزائم في الصّلاة الواجبة ، وثالثة : يتعلّق النهي بشرط العبادة كالنهي المتعلّق بلبس الحرير إذا كان هو الساتر لعورة المصلّي ، ورابعة : يتعلّق النهي بوصف من أوصاف العبادة الملازمة لها كما إذا نهى عن الجهر بالقراءة ، وخامسة : يتعلّق بوصفها غير الملازم كالنهي عن الصّلاة في المكان المغصوب ، فهيهنا خمس صور.
لا إشكال في أنّ القسم الأوّل داخل في محلّ النزاع ، وهكذا القسم الثاني لأنّ جزء العبادة عبادة ، نعم لا بدّ من البحث فيه عن أنّ الفساد هل يسري من الجزء إلى الكلّ أو لا؟ فقال المحقّق الخراساني رحمهالله بعدم السراية إلاّفي صورتين :
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٩٤.