وبعبارة اخرى : إنّ تلك الأدلّة منصرفة عن ما إذا كانت إحدى السورتين محرّمة بذاتها.
ثانياً : إنّ تحريم جزء ليس معناه أخذ العبادة بشرط لا بالنسبة إلى ذلك الجزء بل لعلّ معناه عدم جواز الاكتفاء به ولزوم الإتيان بجزء آخر معه فيكون نظير رمي الجمرة في مناسك الحجّ بالحجر المغصوب الذي يكون المراد منه عدم جواز الاكتفاء به ، فلو أتى بعده بما هو مباح كفاه.
فظهر أنّ ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله في القسم الثاني من التفصيل يكون في محلّه.
أمّا القسم الثالث : وهو ما إذا تعلّق النهي بالشرط ـ فحاصل كلام المحقّق الخراساني رحمهالله أنّ حرمة الشرط كما لا تستلزم فساده لا تستلزم فساد العبادة المشروطة به أيضاً إلاّ إذا كان الشرط عبادة ، فإنّه قد فصّل بين ما إذا كان الشرط توصّلياً كالستر وغيره فيكون خارجاً عن محلّ البحث أي لا يضرّ لبس الحرير المنهي عنه مثلاً بصحّة الصّلاة مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة ، وبين ما إذا كان الشرط تعبّديّاً فيوجب النهي عنه فساد نفسه ثمّ فساد العبادة المشروطة به.
وذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى خروج الشرط عن محلّ النزاع ، أي عدم إيجاب النهي عنه بطلان المشروط به مطلقاً سواء كان تعبّديّاً أو توصّلياً ، وذلك ببيان أنّ شرط العبادة الذي تعلّق به النهي إنّما هو المعنى المعبّر عنه باسم المصدر ، فشرط الصّلاة إنّما هي الطهارة المراد بها معنى اسم المصدر المقارنة معها زماناً ، وأمّا الأفعال الخاصّة من الوضوء والتيمّم والغسل فهي بنفسها ليست شرطاً للصّلاة وإنّما هي محصّلة لما هو شرطها ، فما هو عبادة ـ أعني بها نفس الأفعال ـ ليس شرطاً للصّلاة وما هو شرط لها ـ أعني به نفس الطهارة ـ فهو ليس بعبادة بل حاله حال بقيّة الشرائط في عدم اعتبار قصد القربة فيها ، ولذلك يحكم بصحّة صلاة من صلّى غافلاً عن الطهارة فإنكشف كونها مقترنة بها ، ولا إشكال في أنّ النهي إنّما تعلّق بالمعنى المصدري لا اسم المصدري ، فلا يوجب بطلان المشروط إلاّ إذا كان النهي عنه نهياً عن نفس الصّلاة المشروط به حيث لا إشكال حينئذٍ في فساد العبادة (١).
أقول : الصحيح هو قول ثالث ، وهو دخول الشرط في محلّ البحث مطلقاً من دون فرق بين التعبّدي والتوصّلي ، أمّا ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله. ففيه :
أوّلاً : إنّ الشرط وإن كانت ذاته خارجة عن المشروط لكن التقيّد به جزء له ويوجب
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٣٩٩ ـ ٤٠٠.