وأمّا المعاملات فالنزاع فيها أيضاً يختصّ بالنهي المولوي ، وأمّا الإرشادي منه فلا إشكال في دلالته على الفساد كما في العبادات ، كما أنّ النزاع فيها إنّما هو في وجود الملازمة بين النهي والفساد عقلاً ولا دخل للغة والعرف فيها ، فقول المحقّق الخراساني رحمهالله من « أنّ النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة فيها لغة وعرفاً بين حرمتها وفسادها أصلاً » في غير محلّه ، بل الصحيح أن يقال : أنّه لا يقتضي الفساد لعدم الملازمة بين حرمة المعاملة وفسادها عقلاً من باب عدم اعتبار قصد القربة فيها كما كان معتبراً في العبادات.
نعم لا بدّ من التفصيل بين أقسام النهي المتعلّق بالمعاملات فإنّه على أقسام أربع :
القسم الأوّل : النهي المتعلّق بالسبب كما في قوله تعالى : ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) وقوله عليهالسلام « لا تبع وقت النداء » بناءً على ما هو الصحيح في محلّه من أنّ أسامي العقود وضعت للأسباب لا المسبّبات.
القسم الثاني : النهي المتعلّق بالمسبّب كأن يقال : « لا تملّك الكافر المصحف » أو يقال : « لا تملّك الكافر العبد المسلم » فإنّ المنهي عنه المبغوض للشارع فيهما إنّما هو سلطة الكافر المسبّب عن بيع المصحف أو بيع العبد المسلم ، حيث إنّ الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً.
القسم الثالث : النهي عن التسبّب ، أي إيجاد المعاملة بسبب خاصّ وبآلة خاصّة كأن يقال : « لا تتملّك شيئاً بالربا » فإنّ أصل التملّك ليس مبغوضاً للشارع بل المبغوض إنّما هو التملّك من طريق الأخذ بالربا.
القسم الرابع : النهي المتعلّق بالنتيجة كأن يقال : « لا تأكل ثمن الخمر » أو « ثمن العذرة سحت » فإنّ النهي تعلّق بالثمن الذي هو نتيجة للعقد.
أمّا القسم الأوّل : فلا إشكال في عدم دلالة النهي فيه على الفساد لنفس ما مرّ من عدم وجود ملازمة بين النهي عن شيء وفساده عقلاً.
وأمّا القسم الثاني : فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى عدم دلالته أيضاً على الفساد ، ولكن المحقّق النائيني رحمهالله اختار دلالته على الفساد بدعوى أنّ النهي عن المسبّب تعجيز للعبد ، فكأنّه يرى ظهوراً عرفياً للنهي عن المسبّب في التعجيز أو ملازمة عقليّة بينه وبين التعجيز ، وقد أنكر عليه المحقّق العراقي رحمهالله ، والمنسوب إلى شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله التفصيل بين ما إذا