فمن تعدّاها لم يصل إلى هذه الاعتبارات. وهو نظير إمضائه في دفتر الأسناد فيما إذا أراد انتقال ملكه إلى الغير ، فإنّ إمضاءه هذا يوجب اعتبار العقلاء الملكيّة للمشتري ويترتّب عليه آثار خاصّة عندهم ، وبه يوجد مصداق من مصاديق سبب الملكيّة الذي اعتبره العقلاء سبباً.
وعلى هذا فيصحّ أن نقول : إنّ حقيقة الإنشاء إيجاد الامور الاعتباريّة لا إبراز الاعتبارات النفسانيّة ، والاعتبارات النفسانيّة الشخصيّة بمجرّدها غير كافية في حصول هذه العناوين عند العقلاء إلاّ أن يكون بأسباب خاصّة عندهم.
هذا تمام الكلام في الفرق بين الإنشاء والإخبار.
وفيه ثلاثة أقوال :
القول الأوّل : ما أفاده المحقّق الخراساني رحمهالله وإليك نصّه : « ثمّ إنّه قد إنقدح ممّا حقّقناه إنّه يمكن أن يقال إنّ المستعمل في مثل أسماء الإشارة والضمائر أيضاً عام وإن تشخّصه إنّما نشأ من قبل طور استعمالها ، حيث إنّ أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها وكذا بعض الضمائر ، وبعضها ليخاطب بها المعنى ، والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخّص كما لا يخفى ».
وفيه : أنّ كلامه هذا نشأ من ما مرّ من المبنى الذي بنى عليه في المعاني الحرفيّة فالجواب هو الجواب ولا حاجة إلى التكرار.
القول الثاني : ما قال به المحقّق الإصفهاني رحمهالله وإليك نصّ كلامه : « التحقيق أنّ أسماء الإشارة والضمائر موضوعة لنفس المعنى عند تعلّق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو من الأنحاء ، فقولك « هذا » لا يصدق على زيد مثلاً إلاّ إذا صار مشاراً إليه باليد أو بالعين مثلاً ، فالفرق بين مفهوم لفظ المشار إليه ولفظ « هذا » هو الفرق بين العنوان والحقيقة نظير الفرق بين لفظ الربط والنسبة ، ولفظ « من » و « في » وغيرهما ، وحينئذٍ فعموم الموضوع له لا وجه له بل الوضع حينئذٍ عام والموضوع له خاصّ كما عرفت في الحروف » (١).
ووافقه على ذلك المحقّق النائيني رحمهالله إلاّ أنّه اكتفى بأنّها وضعت لمعانيها المقيّدة بالإشارة إليها
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٢١ ، الطبع القديم.