الإشارة الحسّية لتعيين المشار إليه.
الثالث : أنّه لا ينبغي الشكّ في كون ألفاظ الإشارة أسماء كما عليه اتّفاق النحويين ، وهو موافق لما نجده بالتبادر عند ذكرها. فإنّا نفهم وجداناً من إطلاق لفظ « هذا » وشبهه معنىً مستقلاً لا يشابه المعاني الحرفيّة وإن كان مجملاً أو مبهماً من بعض الجهات ، وإنكار هذا مكابرة.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ هناك ما يدلّ على الإشارة تكويناً قبل وضع الألفاظ كالإشارة باليد والعين والرأس والحصى والعصا وغيرها ، وهي كلّها تدلّ على معنى معيّن في الخارج ، ثمّ وضعت لها ألفاظ يقوم مقامها من جميع الجهات أو من بعضها ، وهذه الألفاظ أتمّ دلالة منها من جهة دلالتها على الإفراد والتثنية والجمع والمذكّر والمؤنّث وعلى الإشارة إلى القريب والبعيد ولكنّها قاصرة من ناحية تعيين المشار إليه أحياناً ، فحينئذٍ لا تتمّ دلالتها إلاّبأن ينضمّ إليها الإشارة الحسّية أو الذهنيّة.
وإن شئت قلت : مدلولات أسماء الإشارات مفاهيم اسمية وإن كانت فيها رائحة الحروف فلها من حيث دلالتها على المفرد والتثنية والجمع والمذكّر والمؤنّث معانٍ اسمية ، ومن حيث اشتمالها على إيجاد الإشارة ـ لها رائحة الحروف.
وممّا ذكرنا ظهر ضعف القول بأنّها من قبيل الحروف كما ظهر أنّه ليس مفادها مجرّد المعنى عند تعلّق الإشارة بها خارجاً أو ذهناً بل فيها إنشاء الإشارة بنفس ألفاظها وإن كانت قاصرة من بعض الجهات ، فالإشارة مأخوذة في حاق معانيها لا أمر خارج عنها.
وأمّا ما أفاده في التهذيب من أنّ الحقّ في قضيّة « هذا قائم » إنّه من قبيل التركيب بين الموضوع الخارجي واللّفظي ( فالمبتدأ أمر خارجي بنفسه والخبر محكي عنه بلفظ « قائم » ) فهو خلاف الوجدان أيضاً ، لأنّ المتبادر من هذه الجملة أنّ المبتدأ هو ما يستفاد من معنى « هذا » كما يظهر بمراجعة علماء العربيّة أيضاً ، فإنّ اتّفاقهم على أنّ نفس « هذا وأشباهه » هي المبتدأ شاهد على المقصود. هذا تمام الكلام في أسماء الإشارة.
وقع الاختلاف في تعيين مفهومها بين الاصوليين.