موضوعاً له في زمان تبادره منه ، وأمّا وضع اللفظ لذلك المعنى في زمان نزول الوحي فلا يثبت بالتبادر المتأخّر ، فلابدّ في إثبات ذلك من التشبّث بالاستصحاب القهقري الثابت حجّيته في خصوص باب الظهورات بقيام سيرة العقلاء وبناء أهل المحاورة عليه ، فإنّهم يتمسّكون بذلك في موارد الحاجة ما لم تقم حجّة أقوى على خلافه ، بل على ذلك الأصل يدور استنباط الأحكام الشرعيّة من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ، ضرورة إنّه لولا اعتباره لا يثبت لنا أنّ هذه الألفاظ كانت ظاهرة في تلك الأزمنة في المعاني التي هي ظاهرة فيها في زماننا » وهكذا الكلام في استنباط المسائل من جميع الكتب العمليّة أو التاريخية أو الأشعار أو أسناد الأوقاف والوصايا.
هذا كلّه في العلامة الاولى للحقيقة والمجاز ، وهي التبادر.
والمراد منهما أنّ صحّة سلب لفظ بما له من المعنى من لفظ آخر بما له من المعنى تكون علامة لكونه مجازاً فيه ، وبالعكس فإن صحّة حمل لفظ بما له من المعنى على لفظ آخر بما له من المعنى تكون علامة لكونه حقيقة فيه ، فإذا قلنا « الغيث هو المطر » مثلاً واستحسنه الطبع ( إذا كان معنى المطر معلوماً لنا وواضحاً ولم يكن معنى الغيث معلوماً إلاّ إجمالاً ) فنحكم حينئذٍ أنّ الغيث وضع لمعنى المطر وأنّ معناهما واحد ، كما أنّه إذا قلنا « الرجل الشجاع ليس بأسد حقيقة » واستحسنه الطبع أيضاً ، نعلم أنّ استعمال الرجل الشجاع في الأسد يكون مجازاً.
ولكن المحقّق الخراساني رحمهالله وغيره ممّن تبعه ذكروا هنا تفصيلاً حاصله : إنّ الحمل على قسمين حمل أولى ذاتي وحمل شائع صناعي ، والملاك في الحمل الاولى هو اتّحاد المفهوم فقط ، وأمّا الملاك في الحمل الشائع فهو الاتّحاد في الوجود والافتراق في المفهوم ( ويسمّى شائعاً لكونه هو الشائع بين الناس ، وصناعياً لكونه هو المستعمل في الصناعات ) ثمّ إنّ صحّة الحمل الاولى الذاتي يدلّ على كون الموضوع له في الموضوع والمحمول واحداً ، وأمّا الصناعي فيستفاد منه كون الموضوع أحد مصاديق المحمول الحقيقية في قبال المصاديق المجازيّة ، ولا يدلّ على الوضع ، فالعلامة على المعنى الموضوع له هي الحمل الاولي لا الحمل الشائع ، بل إنّه علامة على كون الموضوع مصداقاً حقيقيّاً للموضوع له في قبال المصداق المجازي.