صحّة الاستعمال نشأت من الوضع ومن حاقّ اللفظ ( والعلم بكونه من حاق اللفظ يحصل من تكراره في مواضع متعدّدة وإن لم يبلغ حدّ الاطّراد ) فلا يرد على هذه العلامة ما ذكره فتدبّر جيّداً.
الأمر الخامس : هناك فرق بين المراد من الحمل الاولى والحمل الشائع في ما نحن فيه ، وبين ما يكون مصطلحاً في المعقول ، لأنّ الحمل الاولى في المعقول ملاكه الاتّحاد الماهوي ، سواء اتّحدا في المفهوم أيضاً ولم يتّحدا ، ولكن المراد منه في ما نحن فيه حمل أحد المترادفين على الآخر ، فملاكه الاتّحاد مفهوماً من دون نظر إلى الماهية والاتّحاد فيها ، لأنّ عالم اللّغة عالم المفاهيم والألفاظ لا الحقائق والماهيات ، نعم الاتّحاد المفهومي ملازم للإتّحاد الماهوي لا العكس كما لا يخفى. وكذلك الحمل الشائع ، لأنّه في المعقول هو اتّحاد المفهومين في الوجود مع عدم ملاحظة الاتّحاد في الماهية ، ولكنّه هنا بمعنى حمل الكلّي على المصداق ، وملاكه كون الموضوع أحد مصاديق المحمول.
نعم ، الفرد مع النظر إلى تشخّصاته الفرديّة يفترق عن الكلّي في الماهية ، فيكون الفرد متّحداً للكلّي في الوجود ومفترقاً عنه في الماهية. لكن الحمل الشائع في المعقول يكون أعمّ ممّا ذكر ، لأنّه أعمّ من حمل الكلّي على أفراده كما في قولنا « الإنسان كاتب » حيث لا إشكال في أنّه ليس من قبيل حمل الكلّي على أفراده.
هذا كلّه في العلامة الثانيّة من علائم الحقيقة والمجاز.
المعروف أنّ الاّطراد علامة للحقيقة وعدمه علامة للمجاز ، واستشكل فيه المحقّق الخراساني رحمهالله بما حاصله : إنّ ما ذكروه من كون الاّطراد علامة للحقيقة وعدمه علامة للمجاز لعلّه بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات حيث إنّه لا يطرد صحّة استعمال اللفظ في نوع العلائق وإلاّ ففي خصوص العلاقة التي يصحّ معها الاستعمال يكون المجاز مطرداً كالحقيقة ، مثلاً استعمال لفظ الأسد في الرجل الشجاع مطرد ، ولكن في نوع الحيوانات المشابهة له ليس مطرداً ، فلا يستعمل في الرجل الأبخر ، مع أنّ كلاّ من الرجل الأبخر والرجل الشجاع مشابه له ، وهكذا إسناد السؤال إلى قرية ذوي العقول مطرد ، ولكن إلى نوع المحلّ والمقرّ لهم ليس مطرداً ،