وما تتكلّم به من الكلمات ، فترى أنّ أكثرها استعمالات حقيقيّة ، والمجاز فيها قليل جدّاً.
الأمر الرابع : قال المحقّق الحائري رحمهالله ما نصّه : « إنّ المراد من الاطّراد حُسن استعمال اللفظ في كلّ موقع من غير اختصاص له بمواقع خاصّة كالخطب والأشعار ممّا يطلب فيها أعمال محاسن الكلام ورعاية الفصاحة والبلاغة ، بخلاف المجاز فإنّه إنّما يحسن في تلك المواقع خاصّة » (١) انتهى.
وفيه : أنّه مشعر بأنّ الاطّراد في الخطب والأشعار ليس دليلاً على الوضع ، ولكنّك قد عرفت أنّ المجاز فيهما أيضاً ليس مطرداً وإن كان فيهما أكثر من الكلمات اليوميّة ، فالاطراد فيهما أيضاً دليل على الحقيقة ( فتأمّل ).
الأمر الخامس : قد ظهر ممّا ذكرناه أنّه فرق بين مختارنا في المقام وما نسب إلى السيّد المرتضى رحمهالله من أنّ الاستعمال علامة الحقيقة وأنّ الأصل في الاستعمال هو الحقيقة ، لأنّا لا نقول بأنّ احتمال القرينة واحتمال المجاز ينتفي بمجرّد الاستعمال ولو في كلام واحد ، بل نقول إنّ اطّراد الاستعمال يكون نافياً ورادّاً للمجاز ووجود القرينة ، وفرق بين اطّراد الاستعمال ومجرّد الاستعمال ، وما ذكره ممّا لا دليل عليه كما أشار إليه المحقّقون من الأصحاب.
قد ذكر من العلامات نصّ أهل اللّغة ، ولكن ليس هنا محلّ البحث عنه بل يبحث عنه في باب حجّية ظواهر الألفاظ وحجّية قول اللغوي ، فسوف يأتي إن شاء الله تعالى في محلّه أنّه هل يكون تنصيص أهل اللّغة حجّة أو لا؟ فانتظر.
وفيه : بحث كبروي وأنّه هل يكون تنصيصهم حجّة وإن لم يحصل منه العلم بل حصل الظنّ من قول الخبرة؟ وبحث صغروي وهو أنّ كلمات اللغويين من هذا الباب ، أو بيان لموارد الاستعمال؟
__________________
(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ٤٤ طبع جماعة المدرّسين.