الأمر السابع : الحقيقة الشرعيّة
وينبغي التنبيه على مقدّمة قبل الشروع في أصل البحث ، وهي أنّ الألفاظ تارةً توضع لفهم عموم الناس وهي أكثر الألفاظ المتداولة بينهم ، وتسمّى بالحقائق اللغويّة أو العرفيّة ، واخرى توضع لصنف خاصّ منهم وتسمّى بالمصطلحات نظير لفظ « الاصول العمليّة » فإنّه وضع في علم الاصول للُاصول الأربعة العمليّة المعهودة ، وأمّا في اللّغة فوضع لفظ « الأصل » و « العمل » لما هو أوسع من ذلك كما هو واضح ، والفرق بين القسمين أنّ الحقائق اللغويّة تفيد معانيها اللغويّة كيفما استعملت ، من دون أن تكون مقيّدة بكلام خاصّ ، وأمّا المصطلحات فإفادتها المعاني المصطلحة متوقّفة على استعمالها في مواردها الخاصّة.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ لنا في الشرع ماهيّات مخترعة نحو الصّلاة والحجّ والزّكاة ، واموراً اخرى مشابهة لها ، نحو عنوان « التكبير » الذي في اللّغة بمعنى مطلق التعظيم ، في الشرع وضع لصيغة « الله اكبر » ولكنّه ليس ماهية مخترعة مستقلّة تتركّب من أجزاء وأعمال كماهيّة الصّلاة ، ولا إشكال في أنّ الألفاظ الدالّة على هذه الماهيات المخترعة في زماننا هذا حقيقة في المعاني الشرعيّة ، ولكن لا بدّ من البحث في أنّها هل صارت حقيقة فيها في عصر الشارع حتّى تحمل على تلك المعاني في لسانه ( وتسمّى حينئذٍ بالحقائق الشرعيّة ) أو صارت حقيقة في الأزمنة اللاّحقة بأيدي المتشرّعين ، وحينئذٍ تحمل الألفاظ الواردة في لسان الشارع على معانيها اللغويّة عند فقد القرينة ، وعلى معانيها الشرعيّة عند وجودها ( وتسمّى حينئذٍ بالحقائق المتشرّعيّة ) فيه قولان :
أحدهما : ثبوت الحقيقة الشرعيّة والثاني : عدمه. وتوضيح الحال يستدعي البحث في امور أربع :
الأوّل : في أدلّة القولين.
الثاني : في حدود هذه الماهيّات وعددها ، فهل تكون محدودة بمثل الصّلاة والصّوم والحجّ ،