منهم لينفق عليهم ، فهل يحل له أن يستأثر منها بشيء؟.
وروى أخبارا أخر أيضا من هذا الباب ظنا منه أنها تعينه على دفع الطعن ، مع أنها مما يؤيده ، إذ بعضها يدل على أنه كان يرى الأخذ من بيت المال مجانا حراما ولو كان للضرورة ، إلا أن يأذن ذوو الحقوق في ذلك ، فيرد حينئذ أن الاستئذان ممن حضره حين صعد المنبر في الأكل من العسل لا يغني من جوع ، فإن الحق لم يكن منحصرا في هؤلاء ، ولم يكونوا وكلاء لمن غاب عنه حتى يكفيه إذنهم في التناول منه ، مع أن بيت المال مصرفه مصالح المسلمين وليس مشتركا بينهم كالميراث ونحوه ، فإذا لم يكن للحاضرين حاجة مصححة للأخذ منه لم يكن لهم فيه حق حتى ينفع إذنهم في الأخذ ، وكون أخذ الإمام من المصالح ـ لا سيما للدواء ـ لا ينفع ، فإنه لو تم لدل على عدم الحاجة إلى الاستئذان مطلقا ، فهذه [ كذا ] الاستئذان دائر بين أن يكون ناقصا (١) غير مفيد وبين أن يكون لغوا لا حاجة إليه ، فيدل إما على الجهل وقلة المعرفة أو على الشيد والمكر لأخذ قلوب العوام ، كما يقال : يتورع من سواقط الأوبار ويجر الأحمال مع القطار.
إنه كان يتلون في الأحكام ، حتى روي أنه قضى في الجد بسبعين (٢) قضية ،
__________________
(١) في ( س ) : ناقضا.
(٢) في ( س ) : سبعين.
أقول : وقد ذكر البيهقي في السنن الكبرى ٦ ـ ٢٤٧ : أن أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب ، مات ابن فلان بن عمر فأراد أن يأخذ المال دون إخوته ، فقال له علي وزيد رضي الله عنهما : ليس لك ذلك. فقال عمر : لو لا أن رأيكما اجتمع لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه.
وقريب منه ما ذكره الدارمي في سننه ٢ ـ ٣٥٤. وانظر : مستدرك الحاكم ٤ ـ ٣٤٠ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ٤ ـ ٢٢٧ ، وترتيب جمع الجوامع للسيوطي ٦ ـ ١٥ ، وسنن الكبرى ٦ ـ ٢٤٧.
وقال البيهقي في سننه ٦ ـ ٢٤٥ عن عبيدة قال : إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا.