الكلام في الاستثناء المتعقّب للجمل المتعدّدة
فهل هو ظاهر في الرجوع إلى الجميع ، أو إلى خصوص الأخيرة ، أو لا ظهور له أصلاً بل يصير الكلام مجملاً ولابدّ في التعيين من قرينة ، مثل قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الُمحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا ) (١) فهل الاستثناء بقوله « إلاّ الذين تابوا » يرجع إلى جميع الأحكام الثلاثة ، أي الجلد بثمانين جلدة ، وعدم قبول الشهادة أبداً ، والفسق ، فتكون النتيجة حينئذٍ رفع جميعها بالتوبة ، أو يرجع إلى خصوص الأخير فيرفع به خصوص الفسق ، أو الكلام مجمل؟ أقوال ، فقيل بظهوره في الرجوع إلى الكلّ ، وقيل بظهوره في الرجوع إلى خصوص الأخيرة ، وقيل بالإجمال مع كون القدر المتيقّن هو الأخير ، وقيل بما يأتي من التفصيل.
ولنقدّم قبل الورود في بيان الأقوال أمرين :
الأمر الأوّل : قال بعضهم بإستحالة الرجوع إلى الجميع ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى البحث عن الوقوع في مقام الإثبات واستدلّ له بوجهين :
أحدهما : أنّ كلمة « إلاّ » من الحروف ، وقد قرّر في محلّه أنّ الموضوع فيها جزئي حقيقي ، وهو يلزم دلالة كلمة « إلاّ » على إخراج واحد لا إخراجات عديدة ، ولازمه الرجوع إلى الأخيرة.
ثانيهما : سلّمنا عدم كون الموضوع له في الحروف جزئياً حقيقياً لكنّه لا إشكال في أنّ المعنى الحرفي آليّ وفانٍ في غيره ، فلا يلحظ مستقلاً بل لابدّ من لحاظه فانياً في غيره ، وحينئذٍ يتعيّن رجوع كلمة الاستثناء إلى الأخيرة لأنّه لا يتصوّر فناء شيء واحد في شيئين.
__________________
(١) سورة النور : الآية ٤.