الكلام في النسخ والبداء
والوجه في التعرّض لهذه المسألة في ما نحن فيه أمران :
أحدهما : ربط مسائل العام والخاصّ بالنسخ كما ظهر ممّا سبق.
ثانيهما : كونها من المبادىء الأحكاميّة التي تبحث عنها في علم الاصول كالبحث عن تضادّ الأمر والنهي ، هذا بالنسبة إلى النسخ ، وأمّا البداء فلأنّ له صلة قريبة وعلاقة شديدة بالنسخ كما سيتّضح لك إن شاء الله.
وكيف كان : لابدّ أوّلاً : أن نبحث في المعنى اللغوي للنسخ ، قال الراغب في مفرداته : « النسخ إزالة الشيء بشيء يتعقّبه كنسخ الشمس الظلّ والظلّ الشمس والشيب الشباب ، فتارةً يفهم منه الإزالة وتارةً يفهم منه الإثبات وتارةً الأمران » ( أي الإزالة والإثبات كلاهما ) ثمّ قال بعد فصل : « ونسخ الكتاب نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة الاولى بل يقتضي إثبات مثلها في مادّة اخرى كالمناسخة في الميراث » فيستفاد من هذه العبارة إنّه أشرب في ماهيّة النسخ أمران : الإزالة والإثبات ، ولذلك قد يستعمل النسخ في خصوص معنى الإزالة وقد يستعمل في خصوص معنى الإثبات ، ومن هنا أخذ معنى التناسخ في القول بتناسخ الأرواح لأنّ القائل به يقول : أنّ الروح يزول عن بدن ويثبت في بدن آخر. هذا في معنى النسخ لغةً.
وأمّا في الاصطلاح فذكر له معانٍ مختلفة ، فقال المحقّق الخراساني رحمهالله : « إنّ النسخ دفع الحكم الثابت إثباتاً إلاّ أنّه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً ».
وقال المحقّق النائيني رحمهالله : « النسخ انتهاء أمد الحكم المجعول لانتهاء الحكمة الداعية إلى جعله » وقال في المحاضرات : « النسخ رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ».