ولا يخفى أنّ ما يكون مصبّاً للإطلاق والتقييد هو القسم الأوّل فقط أي ما هو لتعريف الجنس.
وهي نفس اسم الجنس إذا دخل عليه تنوين النكرة نحو إنسانٌ ورجلٌ ، فوقع الكلام في تبيين حقيقتها وبيان الفرق بينها وبين اسم الجنس فذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى التفصيل بين موارد استعمالها بما حاصله : أنّ الاستعمالات مختلفة فتارةً يكون مثل « جاءني رجلٌ » فيكون مفهوم النكرة حينئذٍ هو الفرد المعيّن في الواقع المجهول في الظاهر ، واخرى يكون مثل « جئني برجل » فيكون مفهومها الطبيعة المقيّدة بالوحدة لا تعيّن لها لا في الواقع ولا في الظاهر لأنّها حينئذٍ صادقة على كثيرين ، ثمّ أضاف وقال : « وليس مفاده الفرد المردّد بين الأفراد وذلك لبداهة كون لفظ « رجل » في « جئني برجل » نكرة مع أنّه يصدق على كلّ من جيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضية الفرد المردّد لو كان هو المراد منها ضرورة أنّ كلّ واحد هو هو لا هو أو غيره ».
وقال شيخنا المحقّق الحائري رحمهالله في درره : « أنّ النكرة مستعملة في كلا الموردين بمعنى واحد وأنّه في كليهما جزئي حقيقي ، بيانه : أنّه لا إشكال في أنّ الجزئيّة والكلّية من صفات المعقول في الذهن وهو إن امتنع فرض صدقه على كثيرين فجزئي وإلاّ فكلّي وجزئيّة المعنى في الذهن لا تتوقّف على تصوّره بتمام تشخّصاته الواقعيّة ، ولذا لو رأى الإنسان شبحاً من البعيد وتردّد في أنّه زيد أو عمرو بل إنسان أو غيره لا يخرجه هذا التردّد عن الجزئيّة » (١).
أقول : الإنصاف في المقام هو وجه ثالث ، وهو أن يكون الموضوع له كلّياً في جميع الموارد لكن مع قيد الوحدة ففي « جاءني رجل من أقصى المدينة » أيضاً يكون الموضوع له كلّياً لكنّه ينطبق على فرد خاصّ وتستفاد الجزئيّة من تطبيق الكلّي على الفرد كما في « زيد إنسان » ويكون من باب تعدّد الدالّ والمدلول ، أي استفيدت الوحدة والجزئيّة من التنوين ، واستفيدت الطبيعة من اسم الجنس الداخل عليه التنوين لا أن تكون الجزئيّة جزءً للموضوع له وإلّإ
__________________
(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، طبع جماعة المدرّسين.