غاية ما يستفاد من وجوده ثبوت الحكم بالنسبة إلى نفسه ، وأمّا عدم ثبوته بالنسبة إلى غيره فهو ساكت عنه وغير مفيد له ، وحينئذٍ لا مانع من التمسّك بالإطلاق وإسراء الحكم إلى ذلك الغير ، وإلاّ يلزم إهمال المولى بالنسبة إلى غير القدر المتيقّن وسكوته عن بيان حكمه ، مع أنّ المفروض أنّه في مقام بيان تمام المراد.
ثالثها : أنّه لو كان المتيقّن مزاحماً للأخذ بالإطلاق فما هو الفرق بين المتيقّن بحسب التخاطب والمتيقّن بحسب الخارج؟ مع أنّ ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله في مقام إثبات اعتبار هذه المقدّمة ( وهو أنّ المولى لم يخلّ بغرضه إذا لم يبيّن القيد اعتماداً على القدر المتيقّن ) جارٍ في القسم الثاني أيضاً وهو يستلزم عدم جواز التمسّك بالإطلاق في ما إذا وجد في البين قدر متيقّن بحسب الخارج أيضاً مع أنّ هذا ممّا لا يلتزم به الخصم.
إلى هنا ثبت أنّ المعتبر في الأخذ بالإطلاق بين المقدّمات الخمسة مقدّمتان : إحديهما : كون المتكلّم في مقام البيان ، وثانيهما : انتفاء ما يوجب التعيين.
تنبيهات
ذهب المشهور إلى أنّ نتيجتها السريان والشمول فكأنّ المولى أطلق كلامه بعد أن لاحظ القيود إجمالاً ، ويسمّى هذا الإطلاق بالإطلاق اللحاظي ، وسيأتي الفرق بينه وبين العموم إن شاء الله تعالى.
لكن خالف في ذلك بعض الأعاظم وقال : « لا يستفاد السريان من المطلق ولو بعد جريان مقدّمات الحكمة ، بل الإطلاق ليس إلاّ الإرسال عن القيد وعدم دخالة القيد وهو غير السريان والشيوع » وقال في موضع آخر من كلماته : « هذا كلّه على المختار في باب الإطلاق من عدم كون الطبيعة مرآة للأفراد ولا وسيلة إلى لحاظ الخصوصيّات وحالاتها وعوارضها » (١) ، وقد اعتمد على هذا المبنى وبنى عليه في مسائل عديدة ، منها مبحث الترتّب المتقدّم ذكره.
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٦٤ و ٧٢ ، طبع مهر ؛ وكتاب البيع : ج ٤ ، ص ٣٦٥.