الحقّ أنّ في المسألة صوراً :
الصورة الاولى : ما إذا كان المطلق والمقيّد متخالفين في الإثبات والنفي نظير ما مرّ من المثال آنفاً ، فحكمها واضح ، ولا إشكال في لزوم الجمع بينهما بالتقييد كما مرّ في الأحكام التكليفية.
الصورة الثانية : ما إذا كانا مثبتين أو منفيين وهي بنفسها على صورتين :
تارةً يكون القيد في المقيّد إحترازيّاً ، وبتعبير آخر : يكون للتقيّد مفهوم مثل قوله تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ) في قبال قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) حيث إن القيد في الأوّل في مقام الإحتراز ، فلا إشكال أيضاً في التقييد كما مرّ في التنبيه السابق أنّهما يرجعان إلى المتخالفين.
واخرى لا يكون القيد في مقام الإحتراز ولا يكون له مفهوم كما إذا ورد دليل يقول : « أحلّ الله البيع بالصيغة العربيّة » وفرضنا عدم كون المقام فيه مقام الإحتراز ، في قبال دليل حلّية بيع المعاطاة ، ففي هذه الصورة قال المحقّق الخراساني رحمهالله : « إذا علم أنّ مراده إمّا البيع على إطلاقه أو البيع الخاصّ فلا بدّ من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الإطلاق فيه كما هو ليس ببعيد ، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيّد ( بخلاف العكس ) بالغاء القيد وحمله على أنّه غالبي أو على وجه آخر » ( مثل إن كان القيد مورداً لابتلاء المكلّف ).
أقول : إنّ مقصوده من قوله : « أمّا البيع على إطلاقه أو البيع الخاصّ » وحدة المطلوب ( كما أشار إليه بعض المحشّين على الكفاية ) أي إذا أحرز وحدة المطلوب فلا بدّ من التقييد ، وهو ممّا لا إشكال فيه ثبوتاً ، لكن المهمّ هنا مقام الإثبات وأنّه من أي طريق يمكن إحراز وحدة الحكم كما كنّا نفهمها في الأحكام التكليفية من تعلّق الطلب بصرف الوجود ، بل يمكن أن يكون النظر فيها إلى جميع الأفراد ، نحو قوله عليهالسلام : « الدم نجس » وقوله تعالى : ( حَرَّمَ الرِّبَا ) و ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) وقوله عليهالسلام : « إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » فإنّ الحكم فيها ( كما لا يخفى ) تعلّق بأي دم وأي قسم من الربا وأي نوع من الماء أو البيع ، أي أنّ الشمول فيها استغراقي لا بدلي كما أنّ الطريقين الآخرين المذكورين في الأحكام التكليفيّة ( وهما إحراز الوحدة من طريق الإماع ووحدة الشرط ) أيضاً لا يوجد لهما مصداق في مثل هذه الموارد أصلاً ، فحينئذٍ ينحصر الدليل على إحراز وحدة الحكم بكون القيد ظاهراً في الإحتراز ، أو قيام دليل آخر على كون القيد ممّا