ثمّ إنّ هذا كلّه بالنسبة إلى العلم التفصيلي ، وأمّا العلم الإجمالي ( الذي أشار إليه في مقام التقسيم في تهذيب الاصول حيث قال : « والأولى أن يقال : إذا التفت المكلّف إلى حكم كلّي فأمّا أن يحصل له القطع به ولو إجمالاً أو لا ... » ) فله جهتان فمن جهة انطباق عنوان القطع عليه وكونه نوعاً من القطع لابدّ من طرحه في مبحث القطع ، ومن جهة امتزاجه بنوع من الشكّ لابدّ من طرحه في مبحث الشكّ كما فعله هكذا كلّ من العلمين : شيخنا العلاّمة والمحقّق الخراساني رحمهما الله فتكلّما عنه تارةً في مبحث الشكّ.
إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم أنّ هيهنا مسائل :
وفيها أيضاً جهتان من البحث : الجهة الاولى : في الدليل على حجّية القطع ، والثانية * في أنّ الحجّية ذاتيّة للقطع.
أمّا الجهة الاولى : فأدلّ الدليل على حجّيته الوجدان بحيث لا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، والحجّة ـ كما لا يخفى ـ معناها ما يمكن به أن يحتجّ العبد على مولاه وبالعكس ، وبعبارة اخرى : ما يكون قاطعاً للعذر ، كما قد يكون مسبّب العذر ، فيكون قاطعاً للعذر عند إصابة الواقع ، وعذراً للعبد إذا خالف الواقع ، وهذا ما يسمّى بالمنجزيّة والمعذّريّة.
أمّا الجهة الثانية : فإنّ المعروف أنّ الحجّية من ذاتيات القطع بالوجدان ، والذاتي ليس قابلاً للجعل ، وبتعبير آخر : أنّها من قبيل لوازم الماهيّة التي لا يمكن جعلها بالجعل البسيط ، بل يتّبع جعلها جعل نفس الماهيّة كالإحراق الذي يجعل بتبع جعل النار بسيطاً ، أي إذا وجدت النار وتحقّقت تحقّق الإحراق بتبعها ، كما لا جعل تركيبيّاً بين الشيء ولوازمه الذاتيّة ، وحاصل ما ذكر : أنّه لا يمكن جعل الحجّية للقطع لأنّها من ذاتياته. هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ جعلها يستلزم التسلسل لأنّ نفس هذا الجعل أيضاً يثبت بالقطع فننقل الكلام إليه فإن كان حجّيته ذاتيّة فبها ، وإن احتاجت هي أيضاً إلى جعل آخر فهو أيضاً يثبت من طريق القطع ، ثمّ ننقل الكلام إلى هذا القطع وهكذا فإن انتهى في النهاية إلى ما تكون الحجّية