تنبيهات
ما هو مقتضى هذه الأدلّة؟ هل هو حرمة الفعل المتجرّي به ، أو حرمة النيّة؟
الإنصاف أنّ مقتضاها مختلف ، فلا إشكال في أنّ الدليل الأوّل يقتضي حرمة الفعل ، وكذلك الثاني والثالث من دون حاجة إلى توضيح ، وأمّا الدليل الرابع ، أي الرّوايات التي سيأتي ذكرها فحيث إنّها تصرّح بأنّ نيّة المعصية معصية ، فهي تقتضي حرمة النيّة ، وكذلك الدليل الخامس كما صرّح به المحقّق الخراساني رحمهالله ، وإن كان يرد عليه : أنّه إن كانت النيّة حراماً عنده فكيف يتكلّم لإثبات الحرمة عن عنوان الهتك وانطباقه على التجرّي مع أنّ الهتك عمل في الخارج وإن كان من العناوين القصديّة التي لابدّ فيها من النيّة أيضاً؟ وهكذا الدليل السادس ، لأنّ الميزان في حرمة التجرّي لدى الميرزا الشيرازي رحمهالله القبح الفاعلي لا الفعلي.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني رحمهالله ذكر لعدم إمكان أن يكون الفعل الخارجي في ما نحن فيه حراماً وجهين :
أحدهما : ضرورة الوجدان ، وتوضيحها : أنّ الفعل المتجرّي به أو المنقاد به لا يحدث فيه بسبب القطع بالخلاف حسن أو قبح ولا وجوب أو حرمة واقعاً كي يترتب عليه الثواب أو العقاب ، بل هو باقٍ على ما هو عليه من الحسن أو القبح والوجوب أو الحرمة فقتل ابن المولى بسبب القطع بأنّه عدوّ له لا يحدث فيه حسناً ولا وجوباً بل هو باقٍ على قبحه وحرمته كما أنّ قتل عدوّ المولى مع القطع بأنّه ابن المولى لا يحدث فيه قبحاً ولا حرمة بل هو باقٍ أيضاً على حسنه ، ووجوبه فإنّ القطع بالحسن والقبح ليس من الوجوه والاعتبارات التي بها يتحقّق الحسن والقبح والوجوب والحرمة كالعناوين الثانويّة الطارئة للأفعال.
ثانيهما : أنّ الفعل المتجرّي به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون اختياريّاً لأنّ هذا العنوان غير ملتفت إليه غالباً فإنّ من يشرب الماء باعتقاد أنّه خمر يقصده ويشربه بعنوانه الأوّلي الاستقلالي ، أي بعنوان أنّه خمر ، لا بعنوانه الطارىء الآلي ، أي بعنوان أنّه مقطوع الخمريّة فإذا لم يكن هذا العنوان اختياريّاً ملتفتاً إليه فلا يعقل أنّه يكون هو من جهات الحسن أو القبح عقلاً ، ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعاً.
لكن كلا الوجهين غير تامّ :