وثانياً : إنّا ننكر أصل حرمة التجرّي ، لما مرّ من عدم صلوح الوجوه المذكورة لإثبات الحرمة ، فلا تصل النوبة إلى ملاحظة الكسر والانكسار بين قبحه وحسن ما طرأ عليه.
وثالثاً : أنّ قبح المتجرّي نشأ من القطع بالحرمة فلا يعقل أن يرتفع ما دامت صفه القطع موجودة قائمة بالقاطع بجهة من الجهات المجهولة المغفولة له ، وبعبارة اخرى : أنّ الحسن والقبح تابعان لما علم من الجهات ، لا لأقوى الجهات الواقعيّة التي يكون مغفول عنه للمتجرّي.
إن قلت : فبما تحكم في قضية ترك قتل ابن المولى مع علمه بأنّه عدوّ للمولى فهل يرضى أحد فيه باستحقاق العبد للمؤاخذة؟
قلت : إنّ المولى الحكيم العادل يحكم بالقبح والعقاب في هذا المورد أيضاً لأنّه يعاقب عبده على جرأته وخروجه عن رسم العبوديّة ، وهذا باقٍ ولم يتبدّل إلى غيره حتّى بعد انكشاف الواقع ، نعم قد لا يعاقبه ويعفو عنه شكراً لسلامة إبنه وخروجه عن خطر القتل لا من باب عدم صدق عنوان المتجرّي عليه كما يشاهد كثيراً مّا نظيره بين العرف والعقلاء في المعاصي الواقعيّة أيضاً فيتركون عقاب العبيد شكراً للنعم المقارنة للمعصية.
قد يقال : يترتّب الثواب على الانقياد لنفس ما استدلّ به على ترتّب العقاب على التجرّي ، وهو شهادة الوجدان ودلالة بعض الأخبار ، ثمّ يستنتج ويقال : حسن الانقياد يلازم قبح التجرّي ولا يجوز التفكيك بينهما.
لكن يناقش فيه بأنّ حسن الانقياد وترتّب الثواب عليه معلول لانطباق عنوان تعظيم المولى عليه لأنّ مفهوم الانقياد إنّما يصدق فيما إذا أتى بالعمل بقصد أمر المولى والتقرّب إليه وإتيان الفعل ، فهذا القصد لا ينفكّ عن انطباق عنوان التعظيم في جميع الموارد فيترتّب الثواب أيضاً في جميع الموارد ، وهذا بخلاف عنوان التجرّي ، فإنّه ليس معناه الإتيان بما يراه معصية بقصد مخالفة المولى والعناد له ، فإنّ هذا لا يعتبر في حقيقة التجرّي بل هو عنوان ثانوي ربّما يوجب الكفر فضلاً عن الفسق ، بل المتجرّي إنّما يأتي بما يأتي من فعله لشهواته ومقاصده الحيوانية كما ورد في دعائه عليهالسلام : « ولكن خطيئة عرضت لي وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي » إلى آخر ما مرّ ذكره.