قد ذكرنا سابقاً أنّ للقطع الموضوعي أربعة أقسام :
١ ـ القطع المأخوذ في موضوع حكم نفسه.
٢ ـ القطع المأخوذ في موضوع حكم مثله.
٣ ـ القطع المأخوذ في موضوع حكم ضدّه.
٤ ـ القطع المأخوذ في موضوع حكم غيره ، ومرّ أيضاً بطلان الثلاثة الاولى وإنّ الجائز منها هو القسم الأخير نحو « إذا قطعت بنجاسة الثوب تبطل الصّلاة فيه ».
أمّا الظنّ فلا إشكال في بطلان القسم الأوّل بالنسبة إليه نحو « إذا ظننت بوجوب صلاة الجمعة فهي تجب بهذا الوجوب » ، وذلك للزوم نفس الإشكال وهو الدور المحال هنا أيضاً ، كما لا إشكال في جواز القسم الأخير فيه ، أمّا القسم الثاني والثالث فربّما يقال بأنّهما قد يصحّان بالنسبة إلى الظنّ نحو « إذا ظننت بوجوب صلاة الجمعة فهي تجب » و « إذا ظننت بنجاسة الثوب فهو طاهر » ، ونكتة الجواز والسرّ فيه أنّ الحكمين فيهما حكمان في مرحلتين : مرحلة الإنشاء ومرحلة الفعليّة ، فالمظنون بسبب الجهل به وعدم رفع الستار عنه كما ينبغي ـ يكون إنشائيّاً غير فعلي ، وأمّا الحكم الذي قد أخذ الظنّ موضوعاً له فيكون فعلياً ، وعليه فلا يلزم اجتماع الحكمين المتماثلين أو المتضادّين في مرتبة واحدة.
إن قلت : لو كان هذا هو السرّ في الجواز فيمكن أن يقال به في القطع أيضاً ، أي يمكن أن يأخذ القطع بحكم في مرحلة الإنشاء موضوعاً للقطع به في مرحلة الفعلية فيقال مثلاً : إذا قطعت بوجوب شيء وجوباً إنشائيّاً يجب ذلك الشيء بوجوب فعلي أو يحرم فعلاً ، فما هو الفارق بين المقامين؟
قلت : الفرق هو أنّ القطع بحكم إنشائي يلازم القطع بالفعليّة ( إذا كان المانع عن الفعليّة هو الجهل فقط ) لأنّ القطع حجّيته ذاتيّة ولا يمكن سلب الحجّية عنه ، بخلاف الظنّ فيمكن فيه للشارع جعل الحجّية له أو سلبها عنه لعدم كونها ذاتيّة له.
إن قلت : ما هي الثمرة لهذا البحث؟
قلنا : سيأتي إن شاء الله تعالى فائدتها العظيمة في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري في