رابعها : مرتبة التنجّز وهي عبارة عن حكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفة حكم المولى وعصيانه بعد وصوله إليه بعلم أو علمي.
هذا ـ وقد عرفت أنّه بعد تقسيمه الفعلي إلى الفعلي التامّ وغير التامّ ، أو الفعلي التقديري والفعلي المطلق صارت الأقسام خمسة.
ولكنك قد عرفت سابقاً أنّ مرتبة الاقتضاء ( التي يسمّيها بالحكم الاقتضائي أو الحكم الشأني ) ومرتبة التنجّز لا ينبغي أن يعدّا من الأحكام الشرعيّة ومجعولات الشارع ، لأنّ الحكم الاقتضائي والشأني ليس إلاّمجرّد اقتضاء الحكم وشأنيته له وليس هذا أمراً مجعولاً ، والتنجّز حكم عقلي لا حكم شرعي ، فإطلاق الحكم الشرعي عليهما لا يخلو من مسامحة ، فلم يبق للحكم إلاّمرتبتين : مرتبة الإنشاء ومرتبة الفعليّة.
وفي كلامه مواقع للنظر :
١ ـ إنّ ما ذكر من تفسير الحجّية بالمعذّريّة والمنجّزيّة خلاف ظاهر أدلّة حجّية الأمارات ، فإن المستظهر منها هو جعل الأحكام على وفق مؤدّيات الأمارات ، ويشهد لذلك فهم الفقهاء بأجمعهم وتعبيرهم في كتبهم الفقهيّة ورسائلهم العمليّة عن مفاد الأمارات بالوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام.
أضف إلى ذلك أنّ لحن بعض أدلّة الأمارات وتعبير الإمام عليهالسلام فيها بحكم من الأحكام الخمسة بدلاً عن التعبير بالحجّية من أقوى الأدلّة على ذلك :
منها : ما ورد في باب حجّية أمارة السوق من ما رواه فضيل وزرارة ومحمّد بن مسلم أنّهم سألوا أبا جعفر عليهالسلام عن شراء اللحوم من الأسواق ولا يدري ما صنع القصّابون فقال : « كُلْ إذا كان ذلك في سوق المسلمين ولا تسأل عنه » (١).
وأيضاً ما رواه أبو نصر قال سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أذكيّة هي أم غير ذكيّة أيصلّي فيها؟ فقال : « نعم ليس عليكم المسألة ... » (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٦ ، كتاب الصيد والذباحة ، الباب ٢٩ ، ح ١.
(٢) المصدر السابق : أبواب النجاسات : الباب ٥٠ ، ح ٣.