الواقع في جوابه كونه في مرتبة الإنشاء فقط فلا حاجة حينئذٍ إلى التمسّك بذيل باب اجتماع الأمر والنهي وتعدّد الجهتين لعدم المنافاة بين الحكم الإنشائي والحكم الفعلي ، وإن كان المراد كون الواقع فعلياً أيضاً فلا وجه لعدم كونه منجزاً لأنّ عدم التنجّز إنّما يكون لمانع عن الفعليّة كالعجز والجهل ، والمفروض عدمهما.
٥ ـ هو ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله وحاصله : أنّ الأحكام الظاهريّة على ثلاثة أقسام : الأمارات والاصول التنزيلية نحو الاستصحاب ، والاصول غير التنزيلية ، أمّا في الأمارات : فيرتفع الإشكال بأنّ الشارع لم يجعل فيها غير صفة المحرزيّة والوسطية في الإثبات شيئاً فلم يجعل فيها حكماً حتّى ينافي الحكم الواقعي وذلك لأنّ الأمارات إمضائيّة وليست عند العقلاء أحكام تكليفية ولازمه أن لا يكون بعد إمضاء الشرع للأمارات تكليفة ظاهريّة في مواردها. فحال الأمارات حال العلم الوجداني في أنّه ليس في موردها أحكام تكليفية.
وأمّا الاصول التنزيلية : فالمجعول فيها هو الوسطية في الإثبات من حيث الجري العملي مع أخذ الشكّ في موضوعها خلافاً للأمارات.
وأمّا الاصول غير التنزيلية : فليست ناظرة إلى الواقع أصلاً فلا يمكن أن يكون المجعول الوسطية في الإثبات بل لابدّ فيها من الالتزام بجعل الأحكام التكليفية فيها فلتوهّم لزوم اجتماع الضدّين حينئذٍ مجال ، وطريق دفعه أنّ الأحكام التكليفية فيها متأخّرة رتبة من التكاليف الواقعيّة فهي متفرّعة عليها وليس بينهما منافاة أصلاً فلا يكون بينهما تضادّ ، وهذا مراد سيّد أساتيذنا العلاّمة الشيرازي قدسسره من عدم كون الحكم الظاهري منافياً للواقع لترتّبه عليه (١).
أقول : إنّ كلامه قابل للمناقشة بجميع أقسامه :
أمّا القسم الأوّل : فلأنّ القطع أمر تكويني غير قابل للجعل كالبرودة والحرارة وليس من قبيل الملكيّة والزوجيّة وغيرهما من المجعولات الاعتباريّة ، فلا يمكن للشارع أن يجعل ما
__________________
(١) راجع فوائد الاصول : ج ٣ ، ص ١٠٥ ـ ١١٢ ، طبع جماعة المدرّسين.