إنّ الأمارة الظنّية قد يعلم حجّيتها وقد يعلم عدم حجّتها ، وقد يقع الشكّ فيها فإذا وقع الشكّ ، فهل الأصل حجّيتها إلاّما خرج بالدليل أو العكس ، أي أنّ الأصل عدم حجّيتها إلاّما خرج؟
لا خلاف في أنّ الأصل هو الثاني ، أي عدم الحجّية ، إنّما الخلاف في طريق الاستدلال عليه ، فذكر شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله له طريقاً ، وللمحقّق الخراساني رحمهالله طريق آخر ، فاستدلّ الشيخ رحمهالله بأنّ أصالة حجّية الظنّ معناها جواز الاستناد إلى الظنّ والالتزام بكون مؤدّاه حكم الله في حقّه ، مع أنّ هذا الاستناد عند الشكّ حرام بالأدلّة الأربعة ما لم يدلّ دليل على جوازه.
وقال المحقّق الخراساني رحمهالله تضعيفاً لذلك ما ملخّصه : أنّ صحّة الالتزام بما أدّى إليه الظنّ من الأحكام وصحّة نسبته إليه تعالى لا دخل لهما بمسألة الحجّية كي إذا لم تصّح الالتزام والنسبة كشف ذلك آناً عن عدم الحجّية ، وذلك كما في الظنّ على الانسداد والحكومة فإنّه حجّة عقلاً كالعلم في حال الانفتاح مع عدم صحّة الالتزام بما أدّى إليه وعدم صحّة نسبته إليه تعالى ، إذ المفروض عدم القول بالكشف وأنّ الظنّ طريق منصوب من الشرع ، بل هو حجّة عقلاً يجب العمل على طبقه والحركة على وفقه ، أي يقبح عقاب العبد على أزيد من ذلك ، ولو فرض صحّة الالتزام والنسبة فيما شكّ في اعتباره لم يُجد في إثبات حجّيته ما لم يترتّب عليه آثار الحجّية من المنجّزيّة والمعذّريّة ، ومع فرض ترتّب آثار الحجّية لم يضرّ عدم صحّتهما كما عرفت في الظنّ على الانسداد والحكومة فالمدار في الحجّية وعدمها على ترتّب آثارها وعدم ترتّبها لا على صحّة الالتزام والنسبة وعدمهما.
أقول : إنّه إشكال وارد في بدء النظر ، بل يمكن تأييده بأنّ مسألة صحّة الإسناد والالتزام من الأحكام الفرعيّة الفقهيّة ، ومسألة الحجّية مسألة اصوليّة لا ربط بينهما ، ولكن عند الدقّة والتأمّل يمكن الجواب عنه والدفاع عن مقالة الشيخ قدسسره بأنّ مراده من صحّة الإسناد والالتزام وعدمها هو مدلولها الالتزامي أي الحجّية ، حيث إن الحجّية الشرعيّة تلازم جواز الإسناد والالتزام ، والبحث في الحجّية الشرعيّة لا الحجّية العقليّة ، وطرح المسألة بهذا النحو وإن كان يجعلها من المسائل الفقهيّة لكن تثبت به الحجّية آناً.
وإن شئت قلت : أنّ صحّة الالتزام والنسبة وإن لم يكونا من آثار الحجّية لما عرفت من