ثمّ إنّه لمّا انتهى الكلام إلى هنا ينبغي البحث عن حقيقة التشريع وأنّه هل هو عبارة عن الالتزام القلبي أو مجرّد الإسناد إلى الله تعالى مطلقاً؟ فنقول هنا امور ثلاثة لابدّ من البحث فيها :
الأوّل : في حقيقة التشريع.
الثاني : في الدليل على حرمته ..
الثالث : في أنّ المحرّم هل هو خصوص التديّن والتعبّد ، أو يسري القبح إلى الفعل المتشرّع به أيضاً فيصير الفعل الخارجي قبيحاً عقلاً وحراماً شرعاً؟
أمّا الأمر الأوّل : فنقول : إنّ حقيقة التشريع ومعناه ادخال ما ليس من الدين في الدين بحسب الاعتقاد القلبي وهو غير الإسناد إلى الله تعالى ، والنسبة بينهما هي العموم المطلق ، فالمعروف بين العلماء أنّ حقيقة التشريع تصدّق في الوحدة أيضاً بمجرّد بناء القلب من دون الإظهار والإسناد ، كما إذا صام يوم عيد الفطر بنيّة استحبابه من قبل الله تعالى من دون أن يسندها في محضر غيره إلى الله فيتحقّق حينئذٍ التشريع من دون تحقّق الإسناد الذي هو نوع من الإخبار.
ثّم إنّه هل التشريع يصدق في صورة الشكّ أيضاً؟ فإذا شككنا مثلاً في وجوب سجدتي السهو ، فهل يصدق التشريع إذا أتى بهما بنيّة الوجوب أو لا يصدق ، بل الصادق حينئذٍ مجرّد التجرّي؟
الصحيح عندنا هو الثاني ، لأنّ المسلّم من حرمة التشريع هو إدخال ما ليس من الدين في الدين اعتقاداً ، وإن كان المعروف عند العلماء أنّ التديّن والاعتقاد بالمشكوك فيه أيضاً تشريع محرّم.
وكيف كان ، فالمعروف أنّ التشريع عبارة عن الالتزام القلبي كالالتزام قلباً بأنّ هذا واجب أو حرام ولذا يقال : لا يجوز إتيان الذكر الفلان بقصد الورود ، أو يقال : يجوز إتيان الذكر الفلان بقصد الرجاء.
لكن قد أورد بعض الأعاظم على هذا إشكالاً حاصله : « أنّ الالتزام الجزمي بما شكّ كونه من المولى أمر ممتنع ، وكيف يمكن التعبّد الحقيقي بما لا يعلم أنّه عبادي ، فإنّ الالتزامات