حجّية الأمارات الظنّية
بعد أن ثبت إمكان التعبّد بالظنّ وبعد ثبوت أنّ الأصل هو عدم حجّية الظنّ إلاّما خرج ، تصل النوبة إلى البحث عمّا وقع التعبّد به خارجاً ، أي ما خرج من الظنون عن هذا الأصل ، فنقول : من جملة الظنون التي خرجت عن تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ ودلّ الدليل على حجّيتها ظواهر الألفاظ مطلقاً من دون اختصاصها بالألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة كما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمهالله ، فلا إشكال في حجّية ظواهر الألفاظ التي وردت في كتب الوصايا والأوقاف ورسائل العقود والعهود وإسناد المعاملات ، فلا زال البحث عنها بين الناس ثمّ يرسلونها إلى الفقهاء ويستفتون عن حكمها ، وكان عليه سيرة المسلمين في الماضي والحال ، مع أنّها من الموضوعات لا الأحكام ( خلافاً لأغلب الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة ) لكن لا بأس به لما مرّ سابقاً من أنّ تشخيص الموضوعات المعقّدة المشكلة على عهدة الفقيه ، ولا يقول فقيه : أنّه خارج عن شؤون الفقاهة ولست مكلّفاً بالجواب عنه حيث إنّ الأعظم من الفقهاء كانوا بل لا زال كانوا يستقبلون عن الأسئلة المربوطة بالموضوعات ويجيبون عنها كما يظهر لمن راجع فروعات كتاب العروة الوثقى فإنّ كثيراً من فروعاتها من هذا القبيل.
وكيف كان ، لا إشكال في حجّية ظواهر الألفاظ إجمالاً ، ( إنّما الإشكال والكلام في بعض خصوصيّاته وجزئياته ) واستدلّوا لها ببناء العقلاء الذي لم يردع الشارع عنه ، ويمكن أيضاً الاستدلال بلزوم نقض الغرض لو لم نقل بالحجّية ، وذلك لأنّ الغرض الأصلي في وضع الألفاظ التفهيم والتفهّم ، فلو اكتفى بالألفاظ الصريحة والقطعيّة الدلالة مع ملاحظة تلك المجازات والاستعارات الكثيرة ، والتصرّفات الحاصلة في الألفاظ التي توجب طبعاً تضييق دائرة الألفاظ الصريحة يلزم نقض غرض الواضع بلا ريب.