وأمّا الأوّل فالحقّ إنّه أسوأ حالاً من الثاني والثالث لأنّه لا خصوصيّة لمصحف عثمان بل محلّ البحث عن وقوع التحريف وعدمه إنّما هو القرآن النازل على النبي صلىاللهعليهوآله والمفروض في كلامه أنّ استاذه ادّعى التحريف فيه.
وبالجملة : إنّ هذا من الموارد التي يكون الاعتذار فيها الخطأ ، ولقد أجاد بعض الأعاظم في أمثال هذا المقال حيث قال : الاعتراف بالخطأ في كثير من الموارد أهون من الاعتذار ، فإنّ الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للإنسان.
قد تكون الرّوايات تامّة من ناحية السند إلاّ أنّه وقع الخلط فيها بين الحديث القدسي أو الدعاء المأثور من جانب النبي صلىاللهعليهوآله أو الأئمّة وبين آيات القرآن العظيم.
والفرق بين الحديث القدسي والقرآن يظهر بما ذكره المحقّق القمّي رحمهالله في القوانين وإليك نصّه : « المنزل من الله على قسمين : قسم أنزل على سبيل الاعجاز وهو القرآن ، وقسم أنزل لا على سبيل الاعجاز ، وهو الحديث القدسي ( وهذه الأحاديث نُزّل بعضها على موسى عليهالسلام وبعضها على عيسى عليهالسلام وبعضها على رسول الله في ليلة المعراج وغيرها ».
ومن هذه الرّوايات ما رواه أبو حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل ، قد قرأوا القرآن ، فقال أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم ، فاتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير أنّي قد حفظت منها : « لو كان لابن آدم واديان من مال لأبتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب » وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : « يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقهم فتسألون عنها يوم القيامة » (١).
فإنّ هذه العبارات تنادي بأعلى صوتها بأنّها من الأحاديث القدسيّة لو ثبتت صحّة إسنادها.
__________________
(١) البيان : نقلاً عن صحيح مسلم ج ٣ ، ص ١٠٠ ؛ وفي فصل الخطاب أوائل الدليل الثامن نقلاً عن السيوطي في درّ المنثور.