التحريف حتّى إذا فرضنا صحّة إسنادها والله العالم بحقائق الامور.
هذه الطائفة من الرّوايات تدلّ على مطلق التحريف ، ولكن حملها المحدّث النوري رحمهالله على التحريف اللفظي مع أنّ المعنوي منه أيضاً معنى شائع له ـ كما مرّ ـ مضافاً إلى وجود شواهد في نفس هذه الرّوايات تشهد على أنّ المراد من التحريف فيها هو التحريف المعنوي.
فمنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوآله : « يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون : المصحف والمسجد والعترة ، يقول المصحف : « ياربّ حرّفوني ومزّقوني » ويقول المسجد : « عطّلوني وضيّعوني » وتقول العترة : « ياربّ قتلونا وشرّدونا » (١).
فقوله : « مزّقوني » قرينة على أنّ المراد من التحريف هو التحريف المعنوي لأنّ تمزيق أوراق الكتاب لم يكن أمراً شائعاً في مرّ التاريخ بل لم يرد وقوعه من أحد إلاّ القليل مثل الوليد ، فيكون التمزيق حينئذٍ كناية عن التحريف في المعنى.
ومنها : ما رواه علي بن إبراهيم القمّي بإسناده عن أبا ذرّ قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ) قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ترد عليّ امّتي يوم القيامه على خمس رايات ، فراية مع عجل هذه الامّة فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفنا ونبذناه وراء ظهورنا ، وأمّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه ... » (٢).
فقوله « ونبذناه وراء ظهورنا » أيضاً قرينة على أنّ المراد هو التحريف المعنوي لأنّ نبذ القرآن وراء الظهور كناية عن عدم العمل به.
ومنها : ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب ـ كما في البحار ـ عن أبي عبدالله الحسين عليهالسلام في خطبته يوم عاشوراء وفيها : « فإنّما أنتم من طواغيت الامّة وشذّاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرّفوا الكتاب ... الخطبة » (٣).
__________________
(١) فصل الخطاب : أوائل الدليل الثامن.
(٢) المصدر السابق : أواسط الدليل الحادي عشر.
(٣) المصدر السابق :