فإنّ المخاطب في هذا الكلام هم أهل الكوفة الذين جاؤوا لقتل الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء ، ولا إشكال في أنّه لو فرض وقوع التحريف اللفظي فقد كان من آبائهم ، وأمّا تحريف هؤلاء الحاضرين في كربلاء فكان معنويّاً قطعاً.
ومن العجب ما قاله المحدّث النوري رحمهالله هنا من أنّه لابدّ لنا من حمل التحريف في هذه الأخبار على التحريف اللفظي لا المعنوي ، واستدلّ له بقرائن كثيرة. منها : « إنّا لم نعثر على التحريف المعنوي الذي فعله الخلفاء الذين نسب إليهم التحريف في تلك الأخبار في آية أو أكثر وتفسيرهم لها بغير ما أراد الله تعالى منها ، ولو وجد ذلك لكان في غاية القلّة » إلى غير ذلك ممّا ذكره في هذا المجال ، مع إنّا نعلم أنّهم كانوا يحرّفون الكتاب ليلاً ونهاراً تحريفاً معنويّاً كتطبيقهم كلمة وليّ الأمر أو المؤمنين الواردة في آيات من الكتاب على أنفسهم ، وقوله تعالى : ( وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ) على من خالفهم.
منها : ما رواه في الكافي عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : « نزل القرآن ثلاثاً : ثلث فينا وفي عدوّنا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض الأحكام » (١).
ومنها : ما رواه في الكافي أيضاً عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « إنّ القرآن نزل على أربعة أرباع :
ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما لم يكن إلاّبعدكم وفصل ما بينكم » (٢).
ومنها : ما رواه العيّاشي في تفسيره عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : « نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدوّنا ، وربع في فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال ولنا كرائم القرآن » (٣).
ووجه الاستدلال هو عدم وجود مثل هذه الأثلاث أو الأرباع في الكتاب الموجود بين أيدينا.
__________________
(١) فصل الخطاب : أواسط الدليل الحادي عشر.
(٢) المصدر السابق.
(٣) المصدر السابق.