وهو أن تنسخ تلاوة آية من الآيات سواء نسخ حكمها أيضاً أو لم ينسخ فقد يكون الحكم باقياً من دون بقاء الآية الدالّة عليه ، وفي مقابله نسخ الحكم ، وهو أن ينسخ الحكم من دون أن تنسخ الآية الدالّة عليه ، أمّا نسخ الحكم مع بقاء التلاوة فهو أمر ظاهر مفهوماً ومصداقاً ، وأمّا نسخ التلاوة بعد نزولها قرآناً فهو أمر لا معنى محصّل له ، ولكن مع ذلك ذهب جماعة من العامّة إليه في موارد كثيرة ، والظاهر أنّهم أرادوا به توجيه بعض ما ورد في رواياتهم من التحريف في الكتاب العزيز :
منها : ما مرّ من رواية الليث بن سعد قال : « أوّل من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد ... وإنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنّه كان وحدة » (١).
ومنها : ما مرّ أيضاً من عائشة قالت : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلىاللهعليهوآله مأتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّما هو الآن » (٢).
ومنها : ما مرّ أيضاً من سورتي الخلع والحفد في ما حكوا عن مصحف ابن عبّاس وابي بن كعب : « اللهمّ إنّا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفّرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهمّ إيّاك نعبد ولك نصلّي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إنّ عذابك بالكافرين ملحق » (٣).
إلى غير ذلك ممّا روي من طرقهم ، فقد أرادوا بهذا إنكار نسبة القول بالتحريف إلى أنفسهم بتوجيه أنّ هذه الرّوايات من قبيل نسخ التلاوة لا من موارد التحريف.
ولابدّ في الجواب عنه من تعيين معنى نسخ التلاوة والمراد منه فنقول : إن كان المقصود منه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله نهى عن تلاوة هذا القبيل من الآيات وأن نسخ التلاوة قد وقع من رسول الله فهذا أمر غير معقول ، وإن كان المراد وقوعه ممّن تصدّى للزعامة من بعد النبي صلىاللهعليهوآله فهو عين القول بالتحريف بالنقصان واقعاً وإن لم يسمّ بالتحريف لفظاً ، وعليه فيمكن أن يدّعي أنّ القول بالتحريف هو مذهب كثير من علماء أهل السنّة لأنّهم يقولون بجواز نسخ التلاوة ، بل
__________________
(١) البيان : ص ٢٢٠.
(٢) المصدر السابق :
(٣) المصدر السابق :