يمكن أن يدّعي أنّ أوّل من قال عندهم بالتحريف هو عائشة ، والثاني عمر ، والثالث ابن عبّاس ، وقد عرفت أنّ المحقّقين منّا ومنهم رفضوا القول بالتحريف مطلقاً.
ويبحث فيه أنّ الاختلاف في القراءة هل يوجب سقوط حجّية القرآن في الآية المختلف في قرائتها ، أو لا؟
فنقول : الاختلاف في القراءة على وجهين : تارةً لا يوجب تغييراً في المعنى كالاختلاف في قوله : ( خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ) (١) بالنسبة إلى كلمة « ضعف » التي قرأت بالفتح في قراءة عاصم برواية الحفص ، وبالضمّ في بعض القراءات الاخرى وقراءة عاصم برواية غير الحفص.
واخرى يكون مغيّراً للمعنى كالاختلاف في قوله تعالى : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الَمحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) (٢) بالنسبة إلى قوله « يطهرن » ففي قراءة الحفص وجماعة ورد بالتخفيف ، وفي قراءة جماعة اخرى بالتشديد ، وهو على الأوّل ظاهر في النقاء عن الدمّ ، ونتيجته جواز الوقاع قبل الغسل وبعد انقطاع الدم ، وعلى الثاني ظاهر في الاغتسال ( وإن كان عندنا محلّ كلام ) ونتيجته عدم جواز الوقاع قبل الغسل وبعد النقاء.
وكيف كان ، فإنّ هنا ثلاث مسائل :
المسألة الاولى : في تواتر القراءات وعدمه ، وفيه ثلاث احتمالات :
الأوّل : تواتر القراءات.
الثاني : عدم التواتر مع حجّية جميعها.
الثالث : عدم التواتر مع حجّية واحد منها فقط وإن كانت القراءة في الباقي جائزة.
فنقول : لا دليل على تواتر القراءات وكونها موجودة في زمن النبي صلىاللهعليهوآله نزل بها جبرئيل عليهالسلام ، لأنّ تواترها يتوقّف على تحقّق التواتر في ثلاث مراحل : التواتر بيننا وبين القرّاء ، والتواتر بين القرّاء أنفسهم ، والتواتر بين القرّاء وبين النبي صلىاللهعليهوآله بينما المعروف أنّ لكلّ واحد من القرّاء السبعة راويين فقط ، فلا يتحقّق التواتر في المرحلة الاولى ، مضافاً إلى أنّ هذين الراويين
__________________
(١) سورة الروم : الآية ٥٤.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢٢.