مرجّح في الفاعل المختار ( كما هو محلّ البحث في المقام ) لأنّ الاستحالة تنافي الاختيار وتوجب سلب الإرادة ، وإرادة الإنسان ليست بمنزلة كفّتي الميزان حتّى يحتاج تقديم أحدهما على الآخر إلى سبب ومرجّح من الخارج ، فالجائع الذي وضع بين يديه إنائين من الطعام لا يكون لأحدهما ترجيح على الآخر يتوقف عن الأكل حتّى يموت بل يختار أحدهما ويأكل منه ، وكذلك في الإنسان الذي يفرّ من سبع حتّى يصل إلى منشعب طريقين لا ترجيح لأحدهما على الآخر فهل يحكم وجدانك بأنّه يقف ولا يختار أحد الطريقين حتّى يأكله السبع؟ كلاّ.
نعم لا إشكال في قبح الترجيح بلا مرجّح في غير موارد الضرورة كالأمثلة المذكورة آنفاً.
ما حكي عن السيّد المجاهد رحمهالله من أنّنا نعلم بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك وجوب الإحتياط بالإتيان بكلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوماً وترك كلّ ما يحتمل الحرمة كذلك ، لكن لمّا كان هذا الاحتياط موجباً للعسر والحرج فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط والحرج هو العمل بالاحتياط في المظنونات وطرحه في المشكوكات والموهومات ، لأنّ الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل إجماعاً (١).
وأجاب عنه كلّ من تعرّض لهذا الوجه بأنّ هذا متضمّن لبعض مقدّمات الانسداد ، وهي المقدّمة الاولى ( العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرّمات في الشريعة ) والمقدّمة الرابعة ( عدم وجوب الاحتياط التامّ ) والمقدّمة الخامسة ( وهي لزوم ترجيح المظنونات على المشكوكات والموهومات في مقام رفع العسر ) فيحتاج في تماميته إلى سائر المقدّمات وليس وجهاً آخر في قبال دليل الانسداد.
__________________
(١) فرائد الاصول : ج ١ ، ص ١٨٢ ، طبع جماعة المدرّسين.