ثمّ إنّ الظنّ الحاصل من قول اللغوي حجّة إذا كان متعلّقاً بحكم شرعي وليس بحجّة في تشخيص موضوعات الأحكام كالألفاظ الواردة في رسائل الوصيّة أو الوقف لأنّ المفروض هو انسداد باب العلم والعلمي في الأحكام فتكون مقدّمات الانسداد تامّة في خصوص الأحكام لا الموضوعات.
اللهم إلاّ أن يتمسّك بالإنسداد الصغير في بعض الموارد ، وهو انسداد باب العلم والعلمي في معرفة بعض الموضوعات.
إنّ الثابت بمقدّمات الانسداد إنّما هو حجّية الظنّ في تشخيص الأحكام الشرعيّة وتعيينها ، لاختصاص انسداد باب العلم والعلمي به ، لا حجّيته في الإتيان بها وتطبيق المأتي به عليها ، لإمكان تحصيل القطع بتطبيق الحكم المظنون على الخارج فلا تجري فيه تلك المقدّمات ، فإذا شككنا في وجوب صلاة الجمعة أو الظهر جاز لنا تعيين الواجب الواقعي بالظنّ على فرض الانسداد ، وأمّا امتثال هذا الحكم خارجاً فلا بدّ أن يكون بالعلم ولا يكفي فيه الظنّ.
إن قلت : بعد العمل بالظنّ في تعيين الحكم الشرعي يصير الامتثال في النهاية ظنّياً فلا يجدي تحصيل العلم بالتطبيق.
قلنا : الظاهر إنّه وقع الخلط بين الظنّ بالحكم الواقعي والظنّ بأداء الوظيفة ، فإنّه وإن كان الإتيان بالواقع ظنّياً ولكن اليقين حاصل بأداء الوظيفة لا أنّ أدائها ظنّي ، فإذا صلّى صلاة بعنوان الجمعة مثلاً ( المظنون وجوبها ) قاطعاً فقد أدّى ما عليه من الوظيفة قطعاً بخلاف ما إذا أتى بها مظنوناً.
نعم ، ربّما يجري الانسداد الصغير في مقام التطبيق والامتثال بالنسبة إلى بعض الموضوعات فيكون الظنّ حجّة في مقام الامتثال أيضاً ، وهذا كما في موضوع الضرر الذي انيط به أحكام كثيرة من جواز الإفطار والتيمّم وجواز ترك الحجّ وغيرها ، فيقال : أنّ باب العلم بالضرر منسدّ غالباً ، إذ لا يعلم به في الأغلب إلاّبعد تحقّقه ووقوعه فيستلزم من اعتبار العلم به الوقوع في المخالفة الكثيرة.