ومنها : أنّ أفعال العباد غير صادرة عنهم باختيارهم فلا تتّصف بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه ، وهو استحقاق المدح أو الذمّ على إتيانها ، لأنّ الاستحقاق موقوف على وجود الاختيار.
والجواب عنه حلاًّ : أنّه مبني على مبنى فاسد وهو القول بالجبر.
ونقضاً : أنّ هذا الوجه بعينه جارٍ بعد ورود حكم الشرع بالحسن والقبح مع أنّهم ملتزمون بهما بعد ورودهما في الشرع.
ومنها : أنّ القول بحسن الأفعال وقبحها يستلزم قيام المعنى بالمعنى ، والظاهر أنّ مرادهم العرض بالعرض ، وهو محال ، وجه الملازمة : أنّ الأفعال من مقولة الفعل كما أنّ الحسن والقبح أيضاً من مقولة الكيف.
والجواب عنه أوّلاً : بالنقض بأنّ هذا يرد على الحسن والقبح الشرعيين أيضاً وثانياً : بالحلّ فإنّه لا دليل على استحالة قيام العرض بالعرض ، فكم من عرض قائم بعرض آخر.
أضف إلى ذلك ( وهو العمدة ) أنّ الحسن والقبح ليسا من الصفات التكوينيّة الوجوديّة المتحقّقة في موضوعها بل إنّهما من الامور الاعتباريّة المنتزعة التي لها منشأ للانتزاع في الخارج ، فينتزع الحسن في قولك : « العدل حسن » ممّا يوجبه العدل في الخارج من المنافع ، وينتزع القبح في قولك : « الظلم قبيح » ممّا يوجبه من الفساد والمضارّ.
ويشبه هذا الوجه بالشبهة السوفسطائيّة التي نشأت من وقوع الخطأ في الحواس ، فأوجبت إنكار السوفسطائي لعالم الوجود مع أنّه أمر وجداني لا يمكن إنكاره ، والصحيح في مثل هذه الامور الفطريّة الوجدانيّة النهوض على جواب لحلّ بعض الشبهات الواردة لا إنكار أصل الموضوع الثابت بالوجدان قطعاً.
إلى هنا ظهر الحال في المقام الأوّل وهو ثبوت الحسن والقبح للأشياء ذاتاً.
وهو إمكان إدراك الحسن والقبح الذاتيين بالعقل في الجملة فالكلام فيه يظهر ممّا مرّ في المقام الأوّل ولا نطيل البحث بتكراره.